المستقبل بعيون مذعورة/ موسى برهومة
يكاد لا يخلو خطاب رسميّ عربي من الإشادة بالشباب، واعتبارهم «ذخيرة الغد»، و «عماد المستقبل»، و «الاحتياطي الاستراتيجي للأمة»، إلى غير ذلك من شعارات برّاقة تغلب فيها عاطفة الإنشاء الوقائعَ الخشنة التي تنبئ بأن أدوات تمكينهم لا تزال في حدود الرطانة اللغوية، وأن معضلة انخراطهم في المجتمع تزداد تعقيداً.
فالإحصاءات والتقديرات والدراسات الميدانية تشير إلى أن معدل البطالة في ارتفاع مستمر، لا سيما في الشرق الأوسط الذي يعدّ أعلى، بمرتين، من المستويات العالمية. وتفيد «منظمة العمل الدوليّة» بانتشار البطالة بنسبة 28,1 في المئة بين الشبان و19,3 في المئة بين الإناث، فيما بلغ معدلها ضمن جميع الفئات العمرية 11,3 في المئة العام الماضي.
وفي ضوء هذه الأرقام المقلقة، تتراجع المطالبات بالحاكمية الرشيدة والديموقراطية بين الشباب العربي، عمّا كانت عليه أثناء «الربيع العربي»، لمصلحة البحث عن مصدر رزق يقيهم الحاجة، التي هي أُمّ الانحراف والفساد. ويـــزداد هذا القلق إذا علمنا أن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يحتاجان الى توفير 80 – 100 مليون فرصة عمل لمجرد الحفاظ على مستويات البطالة الحالية، وفق «البنك الدولي».
فهل تستطيع الدول العربية مشرقاً ومغرباً مواجهة التحدي، وهل لديها الكفاءة لمعالجة هذا الاختلال الفادح بمسؤولية أخلاقية عالية، لئلا نرتطم بعد أعوام بالحائط الصلد الأصمّ، نظراً الى المؤشرات السلبية من كل حدب وصوب، وتراجع الكثير من البلدان العربية في سلّم الشفافية، لمصلحة تنامي الفساد، وضعف أدوات الرقابة، وتآكل آليات المساءلة حول المال العام؟
ثمّ إن النظرة المثالية السائدة أن الدول الخليجية أقل البلدان معاناة على صعيد البطالة، وأنها، خصوصاً الإمارات العربية، أكثرها تفضيلاً للعيش من جانب غالبية الشباب العرب، وفق «استطلاع أصداء بيرسون – مارستيلر السنوي السادس لرأي الشباب العرب» الذي أُعلنت نتائجه أخيراً.
لكنّ الإمارات، التي وقع اختيار الشباب عليها مجدداً كأفضل بلد للعيش، والتي تقدمت على 20 بلداً، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، تعاني معدل بطالة مرتفعاً بين المواطنين بلغ 20.8 في المئة العام الماضي، وفق تقرير المركز الوطني للإحصاء في الإمارات، فيما بلغت نسبة البطالة في صفوف غير المواطنين 3.2 في المئة.
فإذا كانت دولة كالإمارات يرتفع، بإطراد، ناتجها المحلي الإجمالي، تواجه معضلة البطالة التي تزداد بين النساء، فما بالك بالدول المنكوبة بالفقر والطبقات الحاكمة الفاسدة، وتراجع الإدارة الحكومية، وانعدام الأمن والأمان، والنظر إلى المستقبل بعيون مذعورة؟
ولعل لغة الأرقام أبلغ وأشد بعثاً على الخوف، إذ تشير التقديرات إلى أن ثمة ما يناهز 140 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر الأعلى، ما يعني أن جيشاً بشرياً سينشأ في ظروف أقرب إلى الإعاقة البدنية والنفسية وربما العقلية، لأن الفقر يستتبعه انعدام التغذية السليمة، والافتقار إلى الخدمات الصحية، وتفشّي الجهل والأمية، والميل إلى الجريمة. ومنعاً للاستطراد، يكفي التذكير بأن أكثر الذين ينتسبون إلى الجماعات «الجهادية» ذات الخطاب العنفي التكفيري طالعون من هذه البيئات التي ينعدم فيها اليقين، وتتلاشى أضواء الأمل، وتستبد «الطوبى»، فيكون الرحيل إلى «الميتافيزيقا» و «المطلق» و «العلوي» الطريق الوحيدة للخلاص، وأيّ خلاص!
وحين ينتشر «الطاعون»، فإنه مرشح لأن يغدو عامّاً وطامّاً إذا لم تُجر مواجهته ومكافحته بأساليب ناجعة وأدوات خلاقة، وهذا حري بالدول العربية الغنية، ونخص «نادي الأثرياء الخليجي» أن تتنبّه إلى خطورته، وتنظر إليها في الأفق الاستراتيجي. فشرارات الفقر تقدح نيرانَ التطرف والتعصّب، وتغذّي أفكار الحقد الطبقي. وهاهنا، لا نتحدث عن «مستصغر الشرر»، بل عن عظيمه المُنذر بأوخم العواقب وأفدحها!
* كاتب وأكاديمي أردني
الحياة