“المعابر التجارية” بين المعارضة والنظام: مصالح اقتصادية فرضها الواقع/ حماة ــ يزن شهداوي
تحوّلت بعض النقاط الحدودية بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة في عموم سورية أخيراً، إلى ما يُمكن اعتبارها “معابر تجارية” وجدت بحكم الأمر الواقع؛ إذ تلبي مصلحة مشتركة لكلا الجانبين، وتملأ في نفس الوقت فراغ السوق المحلية، من البضائع والمواد الغذائية التي يحتاجها المدنيون. ويشرف على تلك الحدود من الطرف المسيطر عليه من قبل النظام، قوات النظام ومليشياته وعناصره الأمنية، فيما يشرف على الطرف الآخر من الجزء المسيطر عليه من قبل المعارضة، عناصر من فصائل بالمعارضة. ولا تتجاوز المسافة بين الطرفين أحياناً مئات الأمتار، لكن وبفضل اتفاقياتٍ تجارية مؤقتة، فإن هذه المسافة القصيرة بين الجانبين لا تشهد أي توتر أو اشتباك.
وبموجب هذه الاتفاقيات (التي لا تعبر عن تقارب سياسي بطبيعة الحال)، تُسهّل قوات النظام حركة القوافل التجارية من وإلى تلك المعابر، فيما ينسحب ذات المشهد في مناطق سيطرة المعارضة، التي تعمل على تسهيل عبور الحافلات من وإلى المعابر “الحدودية” بين ضفتي السيطرة.
ومن أهم تلك الطرقات والمعابر الاقتصادية، الطريق الواصل بين حماة، الخاضعة لسيطرة النظام، وإدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، ذاك المعبر الذي يشهد أكبر حركة تجارية واقتصادية يومية بين الطرفين، فعشرات الحافلات تنتقل من مناطق النظام للمعارضة وبالعكس.
تتصل مناطق سيطرة النظام السوري في حماة مع مناطق المعارضة في ريف المحافظة ومناطق إدلب، بطريقين يُستخدمان لأغراضٍ تجارية، إذ يتم من خلالهما تبادل البضائع والمواد الغذائية على طرفي مناطق النفوذ. ويعتبر طريق حماة – أبو دالي من أهم طرق التبادل من الجهتين. وتقع أبو دالي بريف حماة الشرقي، وتسيطر عليها عشائر موالية للنظام، تتبع لعضو مجلس الشعب أحمد درويش. وتعتبر القرية، آخر نقطة تخضع لسيطرة النظام بالنسبة لحماة، لتأتي بعدها ببضعة أمتار حواجز ومناطق المعارضة السورية المسلّحة جنوب شرقي إدلب.
في هذا السياق، يقول الناشط تحسين الحموي، لـ”العربي الجديد”، إن “هذا المعبر هو بمثابة شريان تجاري كبير للمهرّبين والتجار من مدينتي حماة وإدلب، وتتواجد حواجز قليلة للنظام على الطريق الواصل من حماة إلى معبر أبو دالي. وهذه الحواجز تحت توصية من النظام لا تمنع مرور الحافلات التي تنقل البضائع عبر المعبر إلى ريف إدلب. كذلك حواجز المعارضة تعمل على تسهيل وصول تلك البضائع التجارية إلى إدلب ومناطق المعارضة”. ويشير في الوقت ذاته إلى أن “حواجز النظام في الوقت نفسه، لا تمنع دخول الحافلات القادمة من مناطق سيطرة المعارضة في إدلب، والمحمّلة بالبضائع التركية، إذ تصل هذه البضائع لأسواق مدينة حماة”.
ويضيف أن “أغلب المواد المتبادلة عبر هذا المعبر، هي المواد الغذائية من طرف المعارضة لمناطق النظام، فيما يعمد النظام على تهريب المحروقات من البنزين والمازوت إلى مناطق المعارضة، وذلك عبر مقايضات تجارية بين كلا الطرفين، ومنع تعرض أي من الطرفين لبضائع الآخر. كما يُعدّ من المعابر الداعمة لدخول المواد الغذائية التركية المنتشرة بكثرة في مدينة حماة والكثير من المحافظات السورية”. ويؤكد حموي “وجود عشرات أصناف المواد الغذائية والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة التركية في أسواق حماة، والتي تعبر من معبر أبو دالي، الذي تسيطر عليه مليشيات مقربة من النظام السوري”.
وعموماً، فإن حاجة الأسواق على ضفتي مناطق النفوذ والسيطرة، خلقت واقعاً، يدفع قوات النظام أو فصائل المعارضة، لتسهيل حركة هذه القوافل التجارية إلى الجانبين، والتي يتكفل تجارٌ من مناطق نفوذ الجانبين بتنسيق نوعية المواد المتبادلة، تبعاً لحاجات السوق في مناطق النظام والمعارضة.
ويعتبر معبر قلعة المضيق، من المعابر المهمة أيضاً في هذا السياق، إذ تقع منطقة قلعة المضيق، في مدخل سهل الغاب الذي يخضع للنظام غربي مدينة حماة، كما أنها تعد خاصرة لمنطقة جبل شحشبو التي تمتد لمنطقة جبل الزاوية التي تسيطر عليها المعارضة السورية بريف إدلب.
من جانبه، يقول أبو محمد، وهو أحد تجار ريف حماة ويعمل على نقل بضاعته عبر هذا المعبر، إن “الكثير من المواد الغذائية وقطع تبديل السيارات والدهانات والألواح الخشبية، يتم نقلها من مدينة حماة إلى مناطق ريف إدلب عبر هذا الطريق”. ويلفت إلى أن “من مميزات هذا المعبر سهولة إيصال البضائع التجارية عبره من دون المساءلة القانونية من قبل النظام”، مشيراً إلى أنه “لا بُدّ من دفع الإتاوات لبعض حواجز النظام المتواجدة في بداية الطريق الواصل بين حماة وقلعة المضيق، وخصوصاً عند مرورها في مناطق السقيلبية وسلحب، التي تعد من أكبر حواضن النظام في ريف حماة”. ويردف بأن “قيمة الإتاوات لتسهيل مرور البضائع قد تصل إلى أكثر من مئتي ألف ليرة سورية (نحو 933 دولاراً)”.
ويتحدث عن أسباب حركة الشراء الكبيرة من قبل الأهالي والساكنين في مناطق المعارضة للبضائع الواردة من مناطق النظام رغم ارتفاع ثمنها، قائلاً “إن البضاعة السورية المحلية ورغم غلاء سعرها جراء تراكم مصاريف النقل والإتاوات وربح التاجر، إلّا أنها تبقى أرخص بكثير من البضائع التركية والاجنبية عموماً، والتي يتم استيرادها لمناطق المعارضة عبر الحدود السورية التركية، خصوصاً مواد البناء”.
من جهته، يعتبر أبو العابد، وهو أحد تجار مدينة إدلب، أن “النظام والمعارضة، مرغمان على قبول نقل البضائع في ما بينهما، لتغطية حاجة السوق المحلي في ضفتي مناطق النفوذ والسيطرة، فعمليات البيع والشراء وحركة السوق التجارية والاقتصادية في مدينة إدلب ومناطق المعارضة هي ذات فائدة كبيرة للمعارضة ومصدر تمويل لها. فبعض فصائل المعارضة، فرضت رسوما جمركية رسمية على البضاعة المستوردة من مناطق النظام، وكذلك على البضائع التجارية المصدّرة إليها، حتى لو كانت ذات منشأ تركي. وتتضمن تلك الرسوم حماية البضاعة من لحظة دخولها لمناطق المعارضة، حتى وصولها إلى هدفها، وتحسب كلفة الجمركة حسب وزن البضاعة ونوعها، ويشرف على ذلك لجان متخصصة من الفصائل المسلحة المشرفة على المعبر، فيما تعود أرباح تلك المعابر على الفصائل ذاتها”.
كما يؤكد تجار آخرون أن “النظام من جهته فرض كذلك ما يمكن اعتباره جمركاً رسمياً على البضائع التركية والبضائع الواردة من مناطق المعارضة وبشكل رسمي، تتضمن رسوم جمركية خاصة لكل نوع من أنواع البضائع وحسب وزنها أيضاً، فيما أن هذه الرسوم لا تتعهد حماية البضاعة عقب دخولها مناطق النظام، لتتعرض بذلك تلك البضاعة إبان نقلها عبر حواجز النظام في مدينة حماة وباقي المحافظات لعشرات (الإتاوات) لتسهيل عبورها، لكن هذه الرسوم في ذات الحين تتضمن عدم الملاحقة والمساءلة القانونية من قبل مديرية الجمارك في حماة وعدم مصادرة البضائع”.
كما أن عمليات الاستيراد والتصدير عبر هذه المعابر التي وُجدت بحكم الواقع، تعود على النظام بفوائد اقتصادية كبيرة، منها تصدير الإنتاج المحلي إلى مناطق المعارضة ومنها إلى تركيا، خصوصاً أن الأسواق السورية ومع دخول العام السابع من الثورة السورية، لم تعد تحتمل كميات البضائع المُنتجة محلياً لضعف حركة السوق.
وبحسب تجارٍ في مدينة حماة، فإن سعر الجمركة من قبل النظام للبضائع الداخلة إلى مناطقه من مناطق نفوذ المعارضة، تتراوح بين مائة ألف ليرة سورية حتى المليون ليرة سورية، وهو سعرٌ يُحددُ طبقاً لنوعية وكمية المواد.
ورغم هذه الفوائد التي يجنيها النظام، فإن الأمر انعكس ايجابياً على سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية، التي يحتاج سوقها لبضائع كثيرة؛ إذ يقول عبد المؤمن الحموي، وهو ناشط إعلامي من ريف حماة لـ”العربي الجديد”، إن “هذه الاتفاقيات التجارية انعكست بشكل إيجابي كبير على بعض المناطق المحاصرة من قبل النظام، فمع هذه الاتفاقيات أضطر النظام لفك الحصار ولو بشكل جزئي عن بعض مناطق المعارضة المحاصرة كسهل الغاب وغيرها من مناطق ريف حمص الشمالي ومناطق في محافظة درعا”.
ويشار إلى أن النظام أوجد ما يمكن اعتبارها “معابر تجارية” مثيلة لتلك الموجودة حالياً في حماة وإدلب، مثل المعابر الموجودة في ريف حمص الشمالي، كمعبر الغاصبية جنوبي الدار الكبيرة، ومعبر السمعليل المتواجد في الجنوب الشرقي لمنطقة الحولة، ومعبر تقسيس بريف حماة الجنوبي والواصل بين حماة وريف حمص الشمالي، كذلك معابر درعا الواصلة بين مناطق المعارضة في درعا ومناطق النظام في مدينة السويداء، كمعبر أبو كاسر، ومعبر المليحة – الخربا، ومعابر أخرى في ريف دمشق.
العربي الجديد