المعارضة السورية: آلة تفريخ الزعامات
بنكي حاجو
في بدايات الحرب العالمية الاولى دخلت فرنسا تحت الاحتلال الالماني النازي. الالمان احتلوا باريس في 14 حزيران 1940 ولكنهم اقاموا في بلدة فيشي في وسط فرنسا حكومة صنيعة بقيادة المارشال بيتان بطل الجمهورية وقائد الانتصارات على الالمان في الحرب العالمية الاولى. بيتان وقع معاهدة الاستسلام مع المانيا.
الجيش الفرنسي في المستعمرات انشق الى قسمين، قسم مع الحكومة الصنيعة في فيشي تحت الاحتلال اي مع الالمان والقسم الآخر تحت قيادة الجنرال ديغول مع جيوش الحلفاء بقيادة الانكليز وامريكا.
القوات الفرنسية المحتلة لسوريا كانت موالية لحكومة فيشي. الجيوش الانكليزية هاجمت سوريا وحاربت الجيش الفرنسي هناك حيث استسلم للانكليز وانتقل الى جانب ديغول اي مع الحلفاء. من هنا تبدأ القصة التي سمعتها عشرات المرات من الشاهدين عليها. بعض القوات من الجيش الانكليزي جاءت من العراق وحررت الثكنة العسكرية من الجيش الفرنسي الفيشي في بلدتنا تربسبي ( قبورالبيض وحاليا تسمى القحطانية بعدما حررها البعثيون اذاعيا كالعادة مباشرة بعد تحرير الجولان). زار وفد من وجهاء البلدة الثكنة لمعرفة ماحدث. طلب احد الزوار الماء. اخذ الشخص شفة من الماء ولكنه سرعان ما قذفها وقال مستغرباً: لماذا تشربون هذا الماء الساخن الرديء ونحن لدينا بئر ماؤه عذب وبارد. القائد الانكليزي شكرالشخص على حسن المبادرة واردف قائلا: نحن لدينا برادات تحول الماء الى جليد ولكن لا يحق لنا ذلك. استفسر احد الزائرين: لماذا لا يحق لكم ذلك والنعمة بين اياديكم والقرار قراركم؟. رد الضابط الانكليزي: جيشنا الآن يحارب جيوش الاعداء في عدة قارات وهناك الكثيرمن القطعات التي لا تسمح لها الظروف بالحصول حتى على هذا الماء الساخن والرديء. اذن كيف يحق لنا البذخ واخوتنا يموتون جوعا وعطشا في جبهات القتال ونحن في امن وسلام هنا؟. لهذا نملأ الماء العذب والبارد من بئرالبلدة ونضعه في تلك الغالونات المعدنية (مشيرا اليها) تحت الشمس لنشرب منها علما ان هناك اجراءات تقشفية اخرى نطبقها على انفسنا. ثم اردف قائلا: ان مانقوم به هو جزء يسير من الواجب الوجداني والاخلاقي اتجاه اخوتنا في السلاح ويفرضه الشرف العسكري في نفس الوقت.
لماذا سرد هذه العبرة؟
مئات الآلاف من السوريين من اطفال ونساء وشيوخ يعيشون بلا مأوى وملبس وطعام واعداد كبيرة هاجرت الوطن يلوذون بالمخيمات في الغربة والشباب يسقطون شهداء لمدة عام واكثر وفي كل ساعة تسقط ضحيتان وعلى مدى 24 ساعة في اليوم. بالمقابل تحارب المعارضات في الخارج من بين متاريس فنادق الخمس نجوم مع وجبات التخمة على مدار الساعة، ويتنقلون كالجيش الانكليزي بين القارات، ولكن من طائرة الى اخرى ومن مطار الى آخر، وهم في عراك على المناصب الوهمية التي ستكلفهم الكثير من ماء الوجه بعد سقوط النظام.
وجود معارضة في الخارج امر لا بد منه ولكن ليس بأعداد تصل الى اكثرمن افراد فوج عسكري. معارضة الخارج كانت موجودة ونائمة واستفاقت على وقع ضربات الداخل في 15 آذار. ولكن لماذا هذا الهروب الكيفي من ارض المعركة الى الخارج وفي الوقت الحرج؟.
زعماء الثورات لا يتركون جنودهم ويهربون من التظاهرات السلمية. هؤلاء يعرفهم الجميع وليس من داع لذكرالاسماء، علما انهم كانوا يشكلون عبئا ثقيلا على صدرالنظام وهم في الداخل لأنهم كانوا اسماء لامعة وكانوا مُراقبين تحت المجهرمن قبل العالم كله.
هؤلاء خرجوا وكان ولايزال يحدوهم الامل بالعودة ليحتلوا المناصب العليا بعد سقوط النظام.
في حرب حزيران 1967 كان الضباط الكباريختبئون في الخطوط الخلفية في الجبهات ويتركون الجنود في المقدمة ليحصدهم الموت، وهذا بالذات كان السبب في الهزيمة المخزية.
لم يتعظ احد من هذه الدروس حيث ان زعماء المعارضة لم يغادروا الجبهة فحسب بل غادروا الجبهة والوطن دفعة واحدة. الا انهم دخلوا الخطوط الامامية على جبهات الشاشات التلفزيونية، ولاتزال المعارك ضارية تجري دون هوادة، ويرفضون وقف اطلاق النارمع “ضيوفنا من دمشق” وصامدون حتى “آخرشهيد متظاهر”.
احد هؤلاء المعارضين والمقيم الدائم في استانبول لؤلؤة بحرمرمرة والمدمن على الظهورالمتلفز قال:
“خرجت من سوريا لهدف واحد وهو تشكيل معارضة الخارج”، وكأن كل هذا الجيش العرمرم من المعارضين في الخارج لم يكن كافيا ولم يدرك ان كل مافعله هو انه “زاد في الطنبورنغما” ليس الا.
ماهو المطلوب للحفاظ على ماء الوجه امام الله وخلقه؟.
الهدف هنا ليس الشماتة او الاستهزاء بأحد، والقضية جدية ولا تحتمل التأويل. المطلوب هو:
اولا انتقال المعارضين في الخارج الى معسكرات النازحين على الحدود السورية التركية او الى لبنان ومشاركة المقيمين فيها في كل شيء.
ثانيا في حالة الاضطرار للبقاء في المدن من فترة لاخرى يجب الاقامة في فنادق الدرجة الاولى.
ثالثا الزهد في الملبس والطعام والاقلاع عن لبس الطواقم وربطات العنق وروائح البارفيم واصباغ الشعر.
هذه الاقتراحات ليست بقصد الاقتصاد في المصاريف، اذ ان الملايين تتدفق على كل المعارضين من كل حدب وصوب. القصد هنا هو التضامن الوجداني والاخلاقي الحقيقي مع الثوار في الوطن والاهل في المهاجر وهو واجب اكثر من اعتيادي.
هذه التدابير سوف تضع حداً للتضخم الموجود في عدد المعارضين من مرتبة الفوج ربما الى سرية واحدة بسبب شظف العيش وصعوبة التخلص من الادمان على 5 نجوم وسيظهر عندها الصالح من الطالح.
هذه الحقائق يعرفها الجميع في الوطن ولكن الفضيحة الكبرى هو معرفة الاجانب بها اكثر منا، وهو السبب في عدم وجود اية مصداقية للمعارضات لدى الغرب، ولذلك ايضا يلقون ذريعة عدم وحدتها في وجوههم.
نحن امام ظاهرة خطيرة تطغى على المعارضين من انانية مفرطة وتورم في الذات. حان الاوان لان يخرج البعض ويأخذوا زمام المبادرة لوضع حد لهذا الوضع المزري والشائن.
لقد اطلت عليكم في الحديث ولكن لابد من ذكر ما قاله رئيس الجمهورية السورية الراحل الكبير شكري القوتلي للمرحوم جمال عبد الناصرعند التوقيع على معاهدة الوحدة بين سوريا ومصرفي 22 شباط 1958 حيث قال:
“اخي الرئيس اني اسلمكم خمسة ملايين (عدد سكان سوريا حينئذ) زعيم سياسي سوري وليكن الله في عونك”.
معارضة الخارج فيها ما لا يقل عن الف زعيم سياسي………. وليكن الله في عون الثوار في الوطن.
طبيب كردي سوري
ايلاف