المعارضة السورية: مؤسسة الرئاسة تقترب من «لحظة الانفجار»
هدى الحسيني
من المستغرب استغراب البعض قصف النظام في سوريا للمدن السورية وقتل المدنيين، فهو فعل ذلك في لبنان خلال فترة احتلاله.. طوّق مدنا ومخيمات وقصفها وقتل أبناءها من دون رحمة، وكبر رأسه عندما لم يسمع موقفا اعتراضيا من أي طرف. والنظام الذي ظن كثيرون أن وجود بشار الأسد على رأسه سيجمّل صورته ويحدثها أثبت أنه لا يزال يعيش على ذكرى أمجاده الماضية وفي إطارها.
في لبنان، اتهم كل اللبنانيين الذين عارضوا النظام السوري بأنهم «عملاء إسرائيل» أو «مخلون بالسلم الأهلي»، إذن لا بد بالتالي من اتهام السوريين المطالبين بحقوقهم بأنهم عصابات مسلحة تروع المدنيين. الواضح أنه لا نقطة رجوع بعد اليوم، فمع هكذا نظام مخيف يكفي لو خرج مائة متظاهر، فما الحال وقد ارتفع العدد إلى عشرات الآلاف في أغلب المدن وأريافها.
وإذا كان النظام ومنذ نحو ستة أشهر يواجه «عصابات مسلحة» كما يقول لم يقدر عليها بعد، فلا بد من معاقبة رؤساء الأجهزة الأمنية المسؤولة، فهذه الأجهزة اكتفت بتعقب المثقفين الوطنيين وزجهم في السجون، وسمحت لهذه العصابات بالانتشار والتربص. كثير من الدول، وبينها دول عربية، تبدو وكأنها أعطت الرئيس السوري بشار الأسد فرصة للقضاء على تلك العصابات، إذا كانت موجودة، ولكن.. وبسبب اعتقاد النظام أن حماه قد تتكرر مرتين في التاريخ، وكما أنتجت بعد عام 1982 نظاما ديكتاتوريا قمعيا أخاف الداخل والخارج، فإنها ستعطي الابن النتيجة ذاتها. وهكذا لم يبال النظام بتدهور وضعه الاقتصادي خصوصا مع هروب المستثمرين بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على العنف، وتدهور علاقاته التي كانت استثنائية مع تركيا وقطر. وإذا قرر النظام ألا يتوقف ويقرأ ما جاء في رسالة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، فإنه يفقد آخر الأوراق الشرعية التي كانت بحوزته.
المعارضة السورية تكثف اتصالاتها في الخارج خصوصا واشنطن، وتتوقع أن تكون الصورة أكثر وضوحا مع نهاية شهر رمضان بالنسبة لتوافق المجتمع الدولي على قرار يطالب بشار الأسد بالتنحي، حتى لو لم ينعقد مجلس الأمن، ترى المعارضة أن عدة مؤسسات سورية: مؤسسة الرئاسة، المؤسسة الأمنية، ومؤسسة الجيش، لا بد أن تتعرض لـ«لحظة انفجار». وتعرض واحدة يطيح بالاثنتين الأخريين. وقد تكون الأقرب مؤسسة الرئاسة، التي صارت تأخذ موضوع الاقتصاد بعين الاعتبار، وأنه سيؤدي إلى انهيار الليرة السورية، فالحكومة بدأت تطبع العملة لتدفع لـ«الشبيحة» ولبقية موظفي الدول.
يقول أسامة المنجد، وهو قيادي سوري معارض، وأول من وزع أفلام الـ«يوتيوب» عما يجري إلى الإعلام، ومحرر النشرة اليومية لأحداث الثورة السورية، إن توقعات المعارضة أن يغادر بشار الأسد وعائلته، ومعه قادة الأجهزة الأمنية «وإذا لم يغادروا سيجري اعتقالهم»، والحديث هنا عن علي مملوك، وعبد الفتاح قدسية، وآخرين. ويضيف «إذا لم يقع انقلاب عسكري على مستوى قادة الفرق، فقد يقع انقلاب على مستوى الألوية؛ لواء مدرعات، لواء مصفحات، مشاة أو صواريخ. بعد ذلك يتشكل مجلس مؤلف من رجال أعمال من حلب ودمشق ومن مشايخ العشائر من المنطقة الشرقية مع وجهاء سياسيين ومعارضة (محترمة) من داخل سوريا، هؤلاء سيدعون إلى مؤتمر وطني يختار حكومة انتقالية تضع مسودة الدستور ومسودة الأحزاب تعرضهما على استفتاء عام وتتم الدعوة إلى انتخابات عامة خلال ستة أو تسعة أشهر».
من جهة أخرى أصدر يوم الأحد الماضي المرجع الديني الإيراني ناصر مكارم شيرازي «فتوى» تعتبر العمل لإعادة الاستقرار لسوريا «هذا البلد المسلم والمقاوم»، «واجبا دينيا»، وكان هذا أول رد فعل إيراني رسمي بعد زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى دمشق. وتأتي هذه الفتوى كتفعيل لرسالة رسمية كان بعث بها مرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي إلى الرئيس السوري ردا على رسالة تسلمها من الأخير. قال خامنئي إن سوريا وإيران يجب أن تردا على تكتيكات «التهديد» التركي بتعزيز تحالفهما والمحور الشيعي بما في ذلك العراق ولبنان، مضيفا أن إيران لن تمد يد العون إلى تركيا في جهودها الرامية إلى تزعم السنّة في العالم العربي، وشدد على أن هدف تركيا التنافس مع إيران زعيمة العالم الشيعي متناسية أن الأكراد الذين يذبحون عندها هم من أهل السُنّة.
الرد الرسمي هذا حمله إلى الرئيس السوري قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي قام بزيارة خاصة إلى دمشق حاملا ردا على «رسالة رسمية» بعث بها الأسد في 15 حزيران (يونيو) الماضي حيث اشتكى من موقف تركيا «الحاد والصارخ» و«اللهجة التهديدية» تجاه سوريا في ردها على ما يجري حاليا في المدن السورية. وبعد أن شكر الأسد في رسالته إيران على كل المساعدات التي تقدمها لنظامه، ركز على طلب المساعدة السياسية الإيرانية في ما يتعلق بتركيا التي «أظهرت وجهها الحقيقي» والتي من غير المتوقع أن تغير سياستها تجاه سوريا «نظرا لميول رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان الذي للأسف انتخب للمرة الثالثة لخدمة الغرب».
تجدر الملاحظة إلى أنه في يوم واحد (15 مايو / أيار) أرسل الأسد اللواء محمد ناصيف خيربك إلى إيران حاملا رسالة إلى خامنئي حول «التنسيق الاستراتيجي» بين الدولتين، وأرسل اللواء حسن تركماني، مستشاره للشؤون التركية إلى أنقرة في محاولة لترميم الفجوات بين البلدين ونزع فتيل التوتر بينهما.
في رسالته قال خامنئي إن سوريا تعرضت للمهانة من تركيا خلال الأحداث الأخيرة، وإن عليها مع إيران تقديم رد مناسب «ليس الآن إنما بعد أن يهدأ الوضع وبطريقة مدروسة نظرا لموقع تركيا بين البلدين»، واقترح مظاهرات خارج المؤسسات التركية في سوريا كبداية جيدة.. «وعلى أي حال فإن المساعدة التي تقدمها إيران وحزب الله إلى سوريا ستستمر، لأن الصديق الحقيقي هو الذي يقف إلى جانبك عندما يكشف المنافقون عن وجوههم الحقيقية». وأضاف أن سليماني عبر عن فخره لورود اسمه على قائمة الأشخاص الذين يتعرضون لعقوبات بسبب مساعدتهم لسوريا.
قال خامنئي في رسالته، إن الخبراء الاستراتيجيين يعتقدون أن موقف تركيا سببه صراعها مع إيران للنفوذ في سوريا وإنها تحاول الهيمنة على سوريا.
وحسب الخبراء الإيرانيين، فإن طموح تركيا في نشر نفوذها في الشرق الأوسط قائم فقط على ذكرياتها المتمثلة في التاريخ العثماني الذي لا يمكن أن يعاش من جديد، وإن تركيا لا تزال تشعر بالحاجة إلى إثبات أهميتها الخاصة بالنسبة إلى الغرب، وإنها ترى الأحداث في سوريا فرصة لتثبت لبقية العالم أنها تستطيع أن تحل لهم مشاكل المنطقة.
في مفهوم خامنئي، وكما أوضحه للأسد، تلعب الاعتبارات الداخلية دورا في التدخل التركي في الشؤون السورية. فتركيا تشعر بقلق شديد من احتمال أن تكون هي التالية إذا استمرت الأحداث في سوريا، فهذه يمكن أن تحرض الأقلية الكردية الكبيرة في تركيا. ثم هناك خطر آخر يقلقها، هو أن تضعف قبضة قوات الأمن السوري على السكان مما سيسمح للانفصاليين في سوريا بالتسلل إلى تركيا.
ووجه المرشد الأعلى نصيحة إلى «أخيه في السلاح» بعدم مراجعة مسائل محددة مع تركيا التي ساومت عليها سوريا في السابق، حتى ولو أن حلها كان لمصلحة تركيا «بسبب البلطجة التركية آنذاك»، وقال له أيضا «إن قطر ليست بالدولة المهمة، وبالتالي لا يجب الالتفات إلى مواقفها، بل إلى قنواتها التلفزيونية التي تستخدم لتقويض الأنظمة العربية والمسلمة».
يقول أسامة المنجد إن الأسد قال لداود أوغلو عندما زار دمشق «إن معلوماتنا تؤكد وجود عصابات مسلحة، وأنا لن أتخاذل في قمع هذه العصابات التي تروع المدنيين»، وعاد داود أوغلو مستاء جدا، وبعدها وافقت أنقرة على عقد اجتماع أمني عسكري بحضور الأميركيين.
ويضيف المنجد «نحن نعد أنفسنا لمعركة طويلة مع النظام ولن نتراجع، هو سيتعب لأنه طرف الدولة والمؤسسات والمال والمصالح، إن الزمن إلى جانبنا».
الشرق الأوسط