المفاضلة بين الاستبداد والخطاب الثوري في سوريا !
طاهر العدوان
تطرح الاوضاع في سورية مثل هذا التساؤل: هل يمكن لشعب ما وبمحض ارادته, المفاضلة او الاختيار بين القبول بالحكم الاستبدادي “بخطاب ثوري” وبين حريته وكرامته كفرد وجماعة اي كشعب وأمة?
ليس هذا هو السؤال الوحيد الذي يطرحه الربيع العربي وثورة الشعوب في اكثر من بلد. هناك اسئلة مثل: ما هي حقيقة الجيوش في الدولة القطرية. هل هي من اجل حماية أمن الوطن ضد الاعداء, أم من اجل حماية النظام من ابناء شعبه?! كان مثل هذا السؤال مطروحا في كل من تونس ومصر حيث اختار الجيش في كلا البلدين أمن الوطن, فيما يختار الجيشان السوري واليمني حماية النظام من الشعب.
اما السؤال الآخر, عندما يتعرض الشعب لحملة قتل معلنة وحرب مكشوفة من قبل قوات النظام العسكرية والامنية, هل يصبح الاستعانة بالقوى الاجنبية مشروعا من الناحية الوطنية والسيادية من اجل كف يد الحاكم عن القتل, أم ان ذلك يعتبر جريمة وطنية واخلاقية?
جميع هذه التساؤلات تجد مساحة واسعة من الجدل بين اوساط المثقفين والحزبيين العرب. ولقد تابعت بعض ما يُقال ويكتب في وسائل الاعلام, فهناك من يفضل الاستبداد حتى ولو كان بخطاب ثوري مزيف على الثورة الشعبية الاجتماعية التي يشارك بها ملايين الناس, وآخرون لا مانع عندهم من الاستعانة “بالشيطان” من اجل الاطاحة بالديكتاتور.
وتُظهر كثير من الآراء المطروحة والمتداولة ان الامة العربية, وقد عاشت عقودا طويلة في بحيرة الاستبداد والديكتاتورية, في فترة تاريخية اطلق عليها وصف الزمن الرديء, لم تسلم – اي الامة- من عدوى التزوير والتزييف الذي مارسته انظمة الحكم الديكتاتوري حيث جرى تشويه الوعي والفكر, وكأننا نعود الى عهود الجدل بين انصار الامويين ومعارضيهم من الطوائف السرية حول وجوب طاعة ولي الامر ام الخروج عليه اذا ما ارتكب اقسى انواع الظلم والاستبداد, ولم يترك هذا الجدل غير فكر متناقض, فاستفحل امر الاستبداد بعد ان خلف له انصارا على مر العهود والعصور, حتى عصرنا الحاضر, ممن يرفضون ان يكون للشعب رأي او سلطة, فالديمقراطية من وجهة نظرهم استعمار ثقافي اجنبي لا يريد الاعتراف بخصوصية الاستبداد في الشرق العربي.
لا اريد الخوض في جميع الجوانب التي تثيرها اسئلة الربيع العربي, فلقد خرج الامر عن السيطرة ولم يعد نشرة يومية تصدر عن الاجهزة الاعلامية والامنية وصفوف المنافقين للسلطة, فالاسئلة والاجوبة اصبحت ملك الشارع وجموع الناس في شوارع تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية, وهي موجودة ايضا في الاماكن حيث لا يزال الربيع العربي همساً او تنفيساً عن غضب.
لكن, سأقدم رأيا قد يجيب على جوانب من الاسئلة المثارة وهو ان كل ما أراه في الربيع العربي هو هذه الروح الجماعية الحيّة التي تتولد في نفوس مئات الملايين من الشعوب المقهورة, روح مستعدة ان تضحي بذاتها من اجل الحرية والكرامة. ان المشهد بكامله يمثل نضال أمة تطالب ان تعامل كالشعوب الاخرى في القرن الحادي والعشرين وليس عبيدا في مزارع الحكام وعائلاتهم, او مسلوبي الإرادة في ظل قوانين الطوارئ التي لم تجلب غير الهزائم.
لا يوجد عذر اخلاقي او ديني او قانوني او انساني يبرر لأي حاكم مهما كان ان يوجه الرصاص لصدر شعبه الأعزل او ان يقتحم مدن بلاده ويدمر المنازل بمزاعم ان هناك مخربين. تشرتشل قاد الغرب كله الى النصر على النازية وعند فشله في اول انتخابات عامة رحل الى منزله, كذلك ديغول الذي حرر فرنسا استقال عندما اشتعلت المظاهرات الطلابية عام 69 , ولم يسفك الدم بمزاعم انه بطل الابطال وانه الذي لن تلد النساء له مثيلا! .
حماية ارواح المدنيين, حتى لو كان مواطنا واحدا هي اهم ألف مرة من مجلدات التنظير في المقاومة والممانعة, اما حرية الشعب وكرامته فهي قوة الوطن الحقيقية وعزته وليس ما عشنا وشاهدنا من سياسات ميكافيلية غايتها زرع اوتاد الاستبداد في القلوب والعقول, حتى فاض الكيل بالناس فخرجت الى الشوارع تصيح “الموت ولا المذلة”.
العرب اليوم