المقاتلون» الصغار/آدم شمس الدين
المعركة في أوجها. يحدث ذلك كلّ عام. الفتاوى الدينية الخاصة التي أطلقت منعاً لهذه الظاهرة في كل عيد لا تقدم ولا تؤخر. الاقتصاد يتغلّب على الدين، لا بل يطوّعه أحياناً. انتقلت فتاوى اللعب بالمفرقعات النارية وأسلحة الخرز من التحريم لتصبح، فقط، «غير مستحبة». لماذا؟ لا بد أن بين تجار هذه السلع واللاهيين بها من هم من المؤمنين والملتزمين، لذا وجبت مراعاتهم.
يحصل في كل عيد بأن ينظم الناس مواعيدهم، حسب احتدام المعارك. يفرض المسلحون الصغار أيضاً أمراً واقعاً خاصاً بهم على باقي العباد، أسوة بالمسلحين «الكبار»، وإن كان ذلك لبضعة أيام فقط، تتكرر سنويا مع كل عيد. «ما حدا أحسن من حدا..». يأخذ الكبار على عاتقهم القيام بالمهمة طوال أيام السنة، ويرتاحون في الأعياد تحت ما يسمى بالهدنة أو للسماح للناس بالتقاط أنفاسهم. من قال إن المقاتلين لا يحتاجون للراحة أيضاً؟
استراحة المحارب تسمح للصغار باقتناص الفرصة. من يدري، قد يأتي يوم سيضطرون فيه إلى التخلي عن أسلحة الخرز الخفيفة لاستبدالها بما هو أثقل وأكثر واقعية. لا بد أن صانعي هذه السلع حصروا هذه السنة على أن يهيئوا الصغار لما قد ينتظرهم مستقبلاً: الأسلحة البلاستيــكية زوّدت بصــفائح حــديدية، بهدف زيادة الوزن، ليقارب وزن السلاح اللعبة وزن السلاح الحقيقي. الذخيرة لا تزال نفسها، حبوب بلاستيكية صغيرة صفراء في معظم الأحيان. ليس للون هدف أو نية مبطنة، صدفة لا أكثر. مصنعو هذه الأسلحة لن يأخذوا في الحسبان حساسية البعض تجاه هذا اللون.
في الصباح، وقبل انكفاء الشمس، تصير المعارك متقطعة. لا أحد يدري السبب. المحاربون الصغار هم أنفسهم، لا يقلّ عددهم أو يزيد بين ليل ونهار. يقدرون الظروف ربما. يعرف هؤلاء أن في هذا العيد واجبات على الناس القيام بها، وهنــاك متســع من الوقت للقيام بها، شرط أن يحصل ذلك قبل طلوع الليل، حينها: فليتحمل كل مسؤولية قراره بالتجول.
العبارات التي يقتصر سماعها عادة على الحروب والمعارك الحقيقية، تجد مكاناً لها في هذه المعارك أيضاً. يحصل أن تسمع أحدهم يقول إن الطريق الرئيسية في القرية الفلانية ليست آمنة، ويستحسن سلوك الطرق الفرعية بدلاً منها. وإذا تعذر ذلك، فعلى العابرين أخذ الحيطة والحذر، وإقفال نوافذ السيارة، حرصاً على تجنب أي مفرقعات «طائشة» قد تجد طريقها إلى داخل السيارة. والحيطة الحذر يستبدلان أحياناً بأوامر «رسمية» بعدم سلوك طريق ما، نظراً إلى وجود محطة وقود فيه، لم يتمكن صاحبها من إفراغ مستودعه كما يفعل عادة، نظراً إلى اشتعال الحرب قبل التوقيت المتعارف عليه.
فترات الهدوء الصباحية تسمح للمسلحين أيضاً بالتحضير للمعركة وشراء المعدات اللازمة لخوضها. البضاعة متوافرة وبكثرة، خصوصاً في أول أيام العيد. لا يعني ذلك أنها غير محدودة. فمع كل ساعة تأجيل في شراء العتاد تزداد فرص تقلّص الذخيرة ونفاد الأسلحة الجيدة، وفي كل ساعة تمرّ، وبازدياد الطلب مع ارتفاع حدة المعارك، ترتفع الأسعار. العرض والطلب يفعلان فعلتهما أيضاً في معارك الصغار. يتقن أصحاب المحال المزودة منطق السوق. يعرفون أن سيولة «العيديات» في أيدي الصغار، يجب أن تجد طريقها إليهم قبل انتهاء العيد، وإلا ضاعت الفرصة.
تبدأ العروض: مع كل سلاح كذا وكذا تحصل على 10 أكياس ذخيرة، وراجمتين للصورايخ. والسعر لن يختلف سوى قليل عن السعر المعتمد أصلاً. لا يمتلك «مروجو» السلاح اليد الطولى دائماً. مجريات المعارك قد تدفعهم إلى الانخراط بها مرغمين. فحرص المقاتلون الصغار على رسم خطوط الجبهة بالقرب من هذه المحال يدفع كل معسكر إلى تأمين مصدر دائم، ويتحول المصدر نتيجة لذلك الاصطفاف القسري، إلى جزء من المعارك الدائرة. ويحرص كل الحرص على تزويد معسكره بكل ما يلزم للحفاظ على موازين القوى ومنع «انهيار الجبهة»، وإلا أصبح هدفاً لـ«العدو» ومفرقعاته في حال تقدمه، نظراً إلى أهميته الإستراتيجية للطرف الممَول.
بضعة أيام فقط خلال الأعياد تهــيأ الناس لما هو آت بعد شهر من الهدنــة. معــارك لا تتوقــف ســوى بــعد نفاد المحال من مستلزمات المعركة، أو أن يقدم أولياء أمر المحاربين الصغار على القرار بسحبهم من الشارع.. لفسح المجال أمام من هم أكـثر تمرسـاً وخبرة.
السفير