المناورة الروسية تدخل مرحلة ثانية/ علي العبدالله
بعد لقاءين تشاوريين عقدا برعاية وزارة الخارجية في موسكو ضما ممثلين عن النظام السوري وأطراف في المعارضة المدجّنة بهدف تجويف بيان جنيف عبر التخلي عن بعض بنوده الرئيسة أو تبني التفسير الروسي لها، تفسير يتفق مع موقف النظام وحلفائه، تقدمت روسيا خطوة إضافية لاستكمال تجويف البيان عبر تكريس أولوية محاربة الإرهاب على ما عداها بالدعوة إلى تحالف إقليمي لمحاربته.
يبدو أن روسيا التي لمست من خلال استعراضها لنوعية المعارضين المشاركين ووزنهم السياسي والشعبي أدركت أن الخطوة قد استنفذت ولم تعد صالحة لمزيد من الاستعمال والتوظيف، خاصة وان نتائج اللقاءين جاءت هزيلة ولم تُستقبل استقبالا حسنا لا من النظام ولا من المعارضات ولا من القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف السوري، فتبنت خطا جديدا لتحقيق نفس الهدف لكن من مدخل آخر: استغلال اتساع نطاق العمليات الإرهابية وتهديدها للسلم والاستقرار الإقليمي والدولي والدعوة إلى تحالف إقليمي ضد الإرهاب يضم إلى جانب النظام السوري دولا إقليمية حليفة له وأخرى حليفة للمعارضة، وخاصة السعودية، لذا استدعت وزير خارجية النظام لإيجاد مناسبة لطرح المبادرة وإعطائها دفعا بأخذ موافقة الأخير عليها، فقد أعلن الرئيس الروسي عن المبادرة ومبرراتها واستعداد روسيا للدفع بها قدما إذا ما قبلها النظام قال:”أن موسكو تتلقى خلال اتصالاتها مع دول المنطقة التي تربطها بها علاقات طيبة جدا، إشارات تدل على استعداد تلك الدول للإسهام بقسطها في مواجهة الشر الذي يمثله داعش”. وأوضح أن ذلك “يتعلق بتركيا والأردن والسعودية”. وأضاف، مع الإقرار بصعوبة ذلك بسبب الخلافات بين هذه الدول، “أن موسكو مستعدة لدعم دمشق إذا اتجهت إلى الدخول في حلف مع دول أخرى في المنطقة، بما فيها تركيا والأردن والسعودية، لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي”.
وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف توضيحا للمبادرة:”الرئيس بوتين دعا إلى ضرورة تخلي كل دول المنطقة عن خلافاتها في شأن مختلف القضايا والتي كانت دوما موجودة، وربما بقيت، والتركيز على توجيه الجهود إلى مكافحة الخطر المشترك وهو الخطر الإرهابي”. ولفت إلى أن “ذلك لا يعني إهمال مهمات أخرى وردت في بيان جنيف الصادر في 30 حزيران 2012، وقبل كل شيء إقامة حوار سياسي بين السوريين أنفسهم من أجل التوصل إلى اتفاقات تعكس وفاقا مشتركا بين جميع الجماعات السورية”. وقد جاء تصريح يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي للشؤون الخارجية، إلى وكالة تاس للأنباء ليكشف خلفية المبادرة حيث قال:”أن تقوم روسيا بعد القضاء على معظم قوى الإرهابيين وإعادة سيطرة الحكومة على الأراضي السورية المحررة، بتقديم المساعدة مع غيرها من الأطراف المعنية من أجل إجراء انتخابات برلمانية حرة وتشكيل حكومة ثقة وطنية تحت إشراف مراقبين دوليين”.
لم تحدث المبادرة الصدى المطلوب، وخاصة في أوساط المعارضات السورية، ما دفع لافروف إلى توسيع دائرة المدعوين إلى الانخراط فيها فأعلن في مؤتمر صحفي مع وزير خارجية لوكسمبورغ يوم 3/7/2015 “اقترح الرئيس الروسي على جميع دول المنطقة توحيد جهودها. وهذا يخص سوريا أيضا، والجيش السوري والمعارضة السورية، بما في ذلك المعارضة المسلحة التي تدعو إلى الحفاظ على سوريا دولة موحدة ذات سيادة وبطابع علماني دون أي مظاهر تطرف تضمن حقوقا متساوية لمختلف المكونات الإثنية والطائفية”.وأضاف:” أن هذه المبادة تخص أكراد سوريا أيضا”. وأكد “أن روسيا لا تحاول فرض مشاريع على أحد، لكنها ترى أن الخلافات والتناقضات الموجودة بين دول المنطقة تصرف اهتمامها عن المهمة الرئيسية المتمثلة في محاربة الإرهاب”. مبديا الانفتاح على إجراء مناقشات ومشاورات مع الدول بداخل المنطقة وخارجها ومع جميع اللاعبين القادرين على المساهمة في مكافحة الإرهاب.
لم يجد وزير خارجية النظام إجابة يقدمها للرئيس الروسي حين قال له:”إذا اعتبرت القيادة السورية هذه الفكرة مفيدة وممكنة، فإننا سنبذل كل ما بوسعنا من أجل دعمكم. ونحن سنعتمد على علاقاتنا الطيبة مع جميع الدول في المنطقة لكي نحاول على الأقل تشكيل مثل هذا التحالف” ولكنه بعد زوال وقع المفاجأة اعتبر في المؤتمر الصحفي مع لافروف “تشكيل تحالف دولي من السعودية وتركيا والولايات المتحدة وقطر التي تآمرت على سوريا وموّلت الإرهاب سيتطلب معجزة حقيقية”.
لكن يبدو أن النظام الذي مازال يتمسك بالحسم العسكري، وفق ما نقله السيد دي ميستورا عن نتائج زيارته الأخيرة الى دمشق، وجد أنه من المفيد توظيف المبادرة لتقطيع الوقت في انتظار تكشف نتائج التغيرات الإقليمية والدولية، فأعلن عبر مقالة كتبها فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية السورية، في جريدة البناء اللبنانية، لسان حال الحزب السوري القومي الاجتماعي، يوم 6/7/2015 تحت عنوان “حلفان ومنهجان يتقابلان في هذه الحرب” قبوله بالمبادرة مع ربط الموافقة بموقفه من الصراع ونتائجه قال:”إنّ سورية بالتفاهم مع حلفائها في روسيا وإيران وحزب الله وسائر الحلفاء على مساحة العالم ستواصل في آن واحد حربها المفتوحة على الإرهاب حتى اجتثاثه من التراب الوطني لسورية وإعادة بسط سلطة الدولة وجيشها وأجهزة أمنها وحدها فوق هذا التراب، وفي الوقت نفسه الانفتاح والاستعداد لتطوير كلّ فرص إيجابية لحلف يضمّ الراغبين الصادقين بمكافحة الإرهاب على مستوى العالم والإقليم، ومواصلة السعي إلى حلّ سياسي يفتح الباب لمصالحة وطنية ويوسع القاعدة الشعبية لمكافحة الإرهاب لتضمّ المعارضة الوطنية بكلّ مكوّناتها، وتطوير المبادرات الديمقراطية التي تنطلق من الدستور السوري وتمنح مؤسساته المزيد من مصادر القوة الشرعية والشعبية وتجعل الدولة بمؤسساتها الإطار الجامع لكلّ المكوّنات التي يتشكل منها الشعب السوري”.
المدن