المواعيد الافتراضية والانتظار الثقيل
وليد شقير
سيتوجب على القوى الدولية المعنية بالأزمة السورية أن تقرر في 14 تموز (يوليو) المقبل صيغة إدارتها للأزمة السورية، إذا كان الاقتراح الروسي عقد مؤتمر دولي لتفعيل النقاط الست في خطة المبعوث الدولي العربي كوفي أنان والتي تبناها مجلس الأمن، لن يرى النور. ففي هذا التاريخ على مجلس الأمن أن يقرر مصير مهمة المراقبين وأنان.
والمقدمات تشير الى استحالة عقد هذا المؤتمر، طالما أن موسكو تصرّ على حضور إيران فيه كلاعب رئيسي في سورية، فيما دول الغرب ما زالت ترفض هذه المشاركة الإيرانية.
وليست الدعوة الى هذا المؤتمر الدولي لتشكيل مجموعة اتصال دولية تساعد في تفعيل نقاط أنان الست، إلا تأكيداً جديداً على غياب التوافق الدولي على الحل في سورية. وحتى حين جرى الاتفاق على نقاط أنان الست، فإن كلاً من أطراف هذا الاتفاق احتفظ لنفسه بفهمه الخاص لها. دول رأت فيها وسيلة لترحيل الرئيس السوري بشار الأسد في نهاية العملية السياسية التي تقترحها هذه النقاط لأنها تفرض على النظام إجراءات وخطوات (انسحاب الآليات والدبابات من المدن ووقف العنف وإطلاق الموقوفين والسماح للإعلام بدخول سورية وبالتظاهر) تقود عملياً الى التسليم بأرجحية المعارضة على المجموعة الحاكمة في سورية. وهناك من رأى في النقاط الست وسيلة لتنحي الأسد منذ البداية طالما أن النقطة الأولى تقود الى تعيينه محاوراً بصلاحيات كاملة للاتفاق مع المعارضة، وفق النموذج اليمني. لكن الدول التي تساند النظام رأت في خطة أنان وسيلة للحفاظ على الأسد، لأن غياب أي وسائل رادعة للتنفيذ تتيح للنظام أن يستخدم قوته تحت غطاء الاستعانة بقوات الأمن و «الشبيحة» بدل الجيش ومدرعاته. وهو استخدم الاثنين معاً ولم تحرج موسكو وبكين وطهران كعواصم مؤيدة لبقاء النظام حين قصفت الدبابات والمروحيات، مناطق تسيطر عليها المعارضة لاقتلاعها منها، وحين دخلتها ميليشيات مؤيدة للنظام وارتكبت فيها مجازر وسببت تهجيراً واقتلاعاً لعشرات آلاف العائلات من أماكن سكنها.
يستحيل إيجاد آلية لتفعيل نقاط أنان الست على الطريقة التي تقترحها دول الغرب، أي أن يصدر قرار عن مجلس الأمن بعقوبات تلزم النظام تنفيذ خطة أنان تحت الفصل السابع، طالما أن الدول المؤيدة للنظام تنطلق من الإصرار على أن هذه الخطة لا تعني رحيل الأسد عن السلطة مقابل الفهم المعاكس للدول الغربية والدول العربية المعنية بحضور المؤتمر الدولي الذي تقترحه موسكو. وهذا يسمح بالقول إن اقتراح المؤتمر ولد ميتاً، حتى لو انعقد. وإذا كانت الدول الغربية تريد نسخة منقحة للنقاط الست، إضافة «أسنان» إليها، فإن روسيا والصين، في ظل توافق الأولى مع إيران على رفض التدخل الخارجي بأي شكل وعلى دعم بقاء النظام، ستستخدمان الفيتو مجدداً، حيال أي قرار قد يستفيد منه الغرب لاحقاً كغطاء شرعي دولي لعمليات عسكرية لإطاحة الأسد.
وإلى أن يلتقي رؤساء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن في قمة العشرين في المكسيك الأسبوع المقبل، لمحاولة إيجاد ما يجمع بين موقفي موسكو وبكين من جهة وموقف الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا من جهة ثانية فإن هذه المحاولة لن تتعدى السعي الى ترك الصراع داخل سورية، وعلى سورية تحت رقابة دولية الى أن يحين وقت الحل. وقد يجد الكبار صيغة لاستمرار مهمة أنان من دون إعلان فشلها في شكل نهائي، مع تشديد واشنطن والاتحاد الأوروبي العقوبات على النظام السوري، مقابل سعي موسكو وإيران الى مده بأسباب طول العمر في انتظار جاهزية الإدارة الأميركية للتفاوض مع فلاديمير بوتين على القضايا التي تهم القيادة الروسية والتي لا علاقة لها بسورية. وهو ما سيفتح بازار التفاوض بين بكين وواشنطن على قضايا أخرى متصلة بما يسميه الصينيون «الاستفزازات» الأميركية والغربية لمصالح الصين في بحر الصين الجنوبي وفي المحيط الهادي حيث تزيد واشنطن من قوتها العسكرية في مواجهة نفوذ بكين الاقتصادي والأمني. هذا من دون أن نذكر البازار الذي تريد طهران فتحه أيضاً.
إنه انتظار ثقيل، ومكلف للشعب السوري، هذا الربط بين اتفاق الدول الكبرى على سورية وبين اهتمام موسكو ومعها بكين بمراعاة واشنطن لمطالبهما في مواقع أخرى على الصعيد العالمي، لأنه انتظار يقود الى إطالة أمد الحرب الداخلية وبالتالي الى مضاعفة المخاطر على وحدة سورية ومؤسساتها.
إذا كانت كل هذه المقدمات تعني أن سورية متروكة لدينامية الصراع الداخلي، في ظل التدخلات الخارجية من الأضداد دعماً لهذا الفريق أو خصمه، فإن الموعد الجديد الذي تضربه دول غربية لإمكان حصول تحوّل يقود الى انتقال في السلطة، في الخريف المقبل، هو مجرد تمديد للمجازر والتفتيت في بلاد الشام. وقد يحلّ الخريف ويُضرب موعد افتراضي آخر.
الحياة