الموحدون الدروز بين حماية الثغور وحراسة الأنظمة!
عماد شيّا
يُعرف الموحدون الدروز في الموسوعات التاريخية الاجنبية بانهم الاقليات المحاربة في القرون الوسطى، وفي التواريخ العربية والاسلامية عرفوا بحماة الثغور العربية من الغزوات الاجنبية لا سيما حملات الافرنجة، وفي مرحلة الثورة السورية الكبرى، أطلق الدروز بقيادة سلطان الاطرش شرارة الثورة بوجه الاستعمار الفرنسي وكان جبل العرب بؤرة هذه الثورة وجزء لا يتجزأ من النسيج الثوري السوري. وفي مرحلة ما بعد استقلال لبنان وسوريا، كان الدروز بقيادة كمال جنبلاط في طليعة الحراك الوطني والعربي بوجه الاحلاف الاجنبية وفي نصرة القضية الفلسطينية، وكانوا في مقدم من واجهوا انظمة الاستبداد والديكتاتورية من اجل الحرية والكرامة الانسانية.
للاسف، يبدو ان الدروز كغيرهم ضمن النسيج السوري والعربي، قد تاثروا على مدى عقود، بطبائع الاستبداد ونالت منهم وسائل القمع والتدجين، التي اخمدت في نفوسهم جذوة الثورة والقيم، كما يبدو ان سنوات الاستبداد العجاف قد اثرت على افكارهم وقيمهم وثوابتهم التاريخية، فاصبح كثيرون منهم يخلطون بين ثغور الاوطان وقصور الانظمة، فأبّدوا النظام على حساب الوطن وفضّلوا ظلم الحاكم وقمعه على حقوق وكرامة الانسان، واستبدلوا مفهوم حماية الثغور العربية من الغزوات الاجنبية بحراسة قصور الحكام من شعوبهم ومن اطفالهم ونسائهم وشيوخهم.
نعم، يبدو ان هناك من يستسيغ اظهار الدروز اليوم، على غير ما كانوا عليه في الماضي، وهم الذين اطلقوا الثورة على الفرنسيين بدافع قيمي واخلاقي، وذلك عندما اصرت سلطة الانتداب الفرنسي على اعتقال الثائر اللبناني الشيعي، ادهم خنجر الذي لجأ الى جبل العرب طلبا للحماية، فرد سلطان الاطرش باعلان الثورة عليها وانخرط الدروز فيها بكل ايمان وعزم وقوة.
اما اليوم، وللاسف يُخطف المناضل والمفكر السوري، ابن جبل العرب، شبلي العيسمي من امام بيت ابنته في قلب مدينة عاليه، وتعرف الجهة التي تحوم شبهة خطفه حولها، ويستمر الكثير من “ابناء جبل العرب – احفاد سلطان الاطرش” بتظاهرات “بالدم والروح نفديك يا نظام”، في وقت تسيل فيه دماء وتزهق ارواح الاف الاطفال والنساء والرجال السوريين في حمص وحماه ودرعا وادلب وريف دمشق وغيرها من مدن وقرى وساحات الوطن السوري، الذي حرص سلطان الاطرش على ان يكون الدروز حماة ترابه وثغوره ونسيجه الوطني من اعدائه الخارجيين، وليس ازلاما او حراسا لنظام حكامه ومستبديه.
بات من الواضح ان اختطاف المناضل المسّن والمظلوم شبلي العيسمي جاء على خلفية رفضه ان يقبل في كهولته ما كان قد رفضه في شبابه ومعظم مراحل حياته التي امضاها خارج وطنه الام سوريا، رفضه ان يعود الى وطنه مدجنا ومطأطأ الرأس. كما ان استهداف شبلي العيسمي ليس الاستهداف الوحيد لشخصيات سورية درزية معروفة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، غالبا ما يتندّر دروز جبل العرب في مجالسهم عن طريقة استدراج الضابط المنفي سليم حاطوم والغدر به، عندما كان الرئيس الراحل حافظ الاسد وزيرا للدفاع. وهناك العديد من الامثلة الاخرى الدالة على نهج هذا النظام الذي يتعامل مع الدروز وغيرهم معاملة الابواق والازلام والمحاسيب.
ولعل اكبر خسارة نالها الدروز من قبل هذا النظام تجلت في اغتيال كمال جنبلاط الذي كان أهم رموزهم واول المواجهين لانظمة القمع والغدر والاستبداد، كمال جنبلاط الذي حاز على “وسام لينين” الذي اعتبر ارفع وسام سوفياتي، تقديرا لفكره ونضاله في سبيل اعلاء شان العدالة وتعزيز الصداقة والسلام بين الشعوب. لكن ما يدعو للاسف اليوم، هو السلوك الروسي تجاه الشعب السوري، هذا السلوك الذي يضرب بعرض الحائط تطلعات الشعوب وقضاياها العادلة ويستخدم حق الفيتو الذي ورثه عن الاتحاد السوفياتي على العكس من ذلك، لاعطاء الانظمة الظالمة الفرصة تلو الاخرى لابادة شعوبها.
اليوم، تسود بين الدروز نزعتان، نزعة الحنين للجذور، للوطن وحماية ثغوره من اعداء الخارج وعنفوان الحرية والكرامة الانسانية لا سيما في زمن الثورات الشعبية العربية، والثانية نزعة الخوف مما تروج له انظمة القتل والقمع والاستبداد من اجل بقائها، نزعة الخوف من اصوليات مزعومة رعتها هذه الانظمة وسمّنتها واستخدمتها في اكثر من مكان، وتحاول اليوم استخدامها كفزاعة في وجه الاقليات ومنهم الدروز.
لقد بات واضحا ان النظام في سوريا يتعامل مع الدروز كجماعة تابعة له يستخدمها ساعة يشاء بوجه المواطنين السوريين المعارضين لهذا النظام الذي عانى منه الدروز اكثر من غيرهم، على مدى اربعة عقود. ففي الامس، عندما اعلن زعيم الغالبية الدرزية في لبنان حيث خطف شبلي العيسمي، عن تاييده للمبادرة العربية، داعيا الى قبولها من موقع الحرص على سوريا شعبا ودولة، استدعى هذا النظام قطبا درزيا آخر ليرد عليه بان سوريا ليست بحاجة الى نصائح وخرائط وطرق، ويا للعجب من دون ان يطالب او يسأل هذا القطب بالمقابل، عن مصير العيسمي الذي خطف من المدينة ـ العاصمة للمنطقة التي يمثلها في المجلس النيابي.
بعد اكثر من عشرة اشهر على اندلاع الثورة السورية ومقتل الالاف من السورين واعتقال عشرات الالاف منهم واستباحة القرى والمدن والاحياء المنتفضة في اكثر من منطقة، وبعد الخيبات العربية والاممية المتكررة من عدم اكتراث النظام السوري بالدعوات لوقف حمام الدم والمجازر بحق الشعب السوري، يمعن هذا النظام الدموي بواسطة بعض ازلامه وشبيحته، في استخدام الدروز لا سيما مقاماتهم الدينية في لبنان وسوريا، منصّات لنقل الرسائل ذات اليمين وذات الشمال، ويتمادى في اظهار الدروز وكانهم دمى وادوات يحركها ويوجهها كيفما يشاء!
نعم، يحاول النظام السوري بكل امكانياته الامنية والاعلامية والمادية اثارة هواجس الشارع الدرزي ومشاعره الاقلياتية بتضخيم خطر الاصولية السنية وربطها عن قصد، بظاهرة اديب الشيشكلي التي تشكل روحية النظام الامني الحالي وذهنيته امتدادا لها، والعمل من جهة ثانية، على استحضار وفبركة اجواء توحي وكأن هناك عداء موروثا او متناسلا بين الدروز والعرب السنة، وكأن الحوادث المؤسفة التي حصلت بينهما خلال فترة حكم الاسد الاب والابن، كانت من دون تخطيط وتحريض الاجهزة التي كانت تحصي الانفاس وتحرك وتشرف على كل شيء.
يبدو ان غطرسة هذا النظام وعنجهيته جعلته يختزل طائفة الموحدين الدروز ببعض الشبيحة والازلام، ويتناسى انها طائفة الحق والعقل والعقلاء ولها تاريخها وقيمها وثوابتها، وان هذا النظام مهما قمع وظلم وتذاكى، لن يستطيع ان يغير وجه الدروز الذين حتما سيقولون كلمتهم، هؤلاء الدروز الذين غنّى باسمهم الفنان الملتزم سميح شقير “يا حيف”، وباسمهم رفض ابن الجولان المحتل، المعتقل المحرر وئام عماشة حضور اي ممثل عن النظام لحفل استقباله، واعلن وقوفه المدوي الى جانب الثورة الشعبية السورية، وباسمهم ايضا، رفض المناضل المجهول المصير، شبلي العيسمي الاذعان والمهانة.