النازحون السوريون بين لبنان وتركيا
ب.ش
لا نعرف حتى الآن ما هي الجريمة التي ارتكبها بعض اللبنانيين في استقبال نازحين سوريين هربوا من بلداتهم بسبب الأحداث الجارية هناك. ولم أفهم حتى الآن ماذا كان يعني نواف الموسوي، عندما هاجم الناس الذين استقبلوا في بيوتهم ومدارسهم هؤلاء المساكين، وكيف يكون هذا الاستقبال “تهمة” أو “مؤامرة” ضد سوريا. لم أفهم هذيانات هذا الرجل التي تفوق أحياناً الأعاجيب. وهل هناك من يهاجم أناساً فتحوا صدورهم لأهلهم في أزمة أو في مصيبة. وهل نسي الموسوي وسواه من “ببغاءات” الوصايات أن بين الشعبين اللبناني والسوري خصوصاً، وبين الشعب العربي عموماً، روابط إنسانية وعائلية وقومية، تتجاوز السياسة وحساباتها الصغيرة؟ وهل نسي هؤلاء أن الشعب اللبناني بجهاته الأربع تعرض لمثل هذه الأزمات. من جرائم جماعية، وتهجير جماعي، طائفي ومذهبي أو سياسي. وهل نسي هؤلاء أن جميع اللبنانيين، وعلى اختلاف مواقعهم، ذاقوا مرارة التهجير، وجرّبوا مهانة التهجير، من الجنوب الى الشمال والساحل والجبل… وهل يمكن أن ننسى كيف استقبل الشعب السوري نفسه بعض اللبنانيين الذي نزحوا الى سوريا، هرباً من الحروب والمعارك. أكان علينا آنئذ أن نتهم كل سوري استقبل لبنانياً بالتآمر على لبنان؟ أكثر: ألوف من العراقيين نزحوا الى إيران عندما تعرّضوا للقمع في عهد البعث العراقي، واستقبلوا هناك. أكان علينا آنئذ أن نتهم كل إيراني استقبل نازحاً عراقياً بالتآمر على نظام ولاية الفقيه (دام ظله الشريف). أكثر: مئات ألوف العراقيين هربوا الى سوريا ولبنان والأردن… بسبب الحروب والأحداث في بلدهم. أكان علينا يا نواف الموسوي (يا صاحب القلب الكبير، والحس الإنساني المرهف) أن نتهم كل الذين استقبلوا هؤلاء العراقيين بالتآمر على العراق. شيء غريب! والله! وأكاد أقول أنه أمر لا يمت الى الإنسانية بصلة، أن يُمنع هؤلاء النازحون من أطفال ونساء وشيوخ من اللجوء الى أهلهم في لبنان (نحن والسوريون يا أخ نواف شعب عربي واحد، بنظامين مختلفين. وعائلة واحدة. تماماً كما هي الحال مع الشعب العربي الآخر من العراق الى فلسطين ومصر فالمغرب العربي. إنها بلاد عربية يا نواف، والوشيجة عربية وتبقى كذلك مهما حاول الأعاجم وصمها بالمذهبية والطائفية: مفهوم يا نواف؟ برافو!). وافترضْ يا نواف وأيها “النوّافون” الآخرون من بتوع 8 آذار أن بعض النازحين السوريين لجأ الى إيران، أكانت تغلق دونهم الأبواب؟ وافترض أن الأحداث فرضت على إيرانيين مدنيين من عائلات وجماعات اللجوء الى سوريا، أنتهم من يستقبلهم بالتآمر، ونحذرهم من اقتراف هذه الجريمة النكراء “بحق الإنسانية” يا نوّاف الذي لا تقل إنسانيته وثقافته الإنسانية عن إنسانية أشخاص عزفوا المعزوفة نفسها. ولك يا أخي من شو إنتو مصنوعين: من حديد وإسمنت. ولا ذرّة إنسانية. ولو! ألا رحمة وأنتم تنتمون الى الإسلام، ديانة الرحمة؛ وإلى “الله” الرحوم الرحيم. أتراكم حولتكم السياسة آلات صماء… وحجارة! بئسكم وبئس من أنشأكم على هذه النفسية البائسة! وهذا الشعور يتنامى عندما نجد أن هؤلاء عندما يتبنون هذه المواقف المشينة (إنسانياً على الأقل) يظنون أنهم يخدمون النظام السوري في مآزقه الحالية. وكأنهم لا يعرفون أن كل هذا يؤدي الى مضاعفة الصورة القاتمة التي وُضعوا في إطارها، خصوصاً عندما راحوا ينتقدون المسؤولين الأمنيين اللبنانيين على سماحهم لهؤلاء النازحين بالعبور الى لبنان. شو هيدا؟ شيء مخيف. أكثر: راح بتوع 8 آذار يضغطون على المسؤولين الأمنيين عندنا لتسليم بعض النازحين الى السلطات السورية؛ وهذا التسليم الذي تمّ، وبرغم تبريرات غير مقنعة، مخالف للقوانين الدولية والأعراف الإنسانية. ونظن أن تسليم هؤلاء وأياً كانت مسؤولياتهم خطأ كبير ارتكبته الجهات التي قامت به. والمضحك أن بعض النازحين حوكم عندنا على أساس “التسلّل غير المشروع” الى الأراضي اللبنانية التي استبيحت على امتداد نصف قرن من قبل كل الجيوش والمرتزقة والقتلة والمهربين! استفاقت “السيادة” عند بعضهم اليوم مع بعض النازحين. إذاً أَكمِلوا الإجراءات: إعتقلوا ستة آلاف سوري هربوا الى شمال لبنان من الأحداث الأخيرة، احتراماً للسيادة المصونة، في الوقت الذي لا تنفك هذه الدولة الشقيقة أو تلك من انتهاك سيادتنا بالتدخل حتى في تأليف الحكومة فما بالك في إسقاط الحكومة السابقة! سيادة! سيادة! يا نوّاف الموسوي… ويا أيها النوّافون الآخرون!
والمستغرب أخيراً أن الأقلام العروبية، الصحافية الموحدة، والقومجية، سايرت منطق “ممانعة” النازحين في اللجوء الى لبنان: ولو! أين العروبة والوحدة العربية، والأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الواحدة! ولو يا عباقرة الإعلام ودهاقنة الصحافة: الى هذه الدرجة أدركت المهانة هذه الأقلام “الميتة” التي باتت تنتسب الى الماضي، هي، ووصاياتها… المترحلة بإذن الشعب العربي الواحد “دام ظله”، و”دام سره”.. نعم! الشعب العربي تعالى!
المستقبل