النساء العربيات بين السلطة والثورة
فايز سارة
يبدو من البديهي القول، أن ثورات الربيع العربي، بدلت كثيراً الصورة الظاهرة للنساء العربيات، وهو أمر من الطبيعي حدوثه باعتبار أن الربيع العربي ومنذ انطلاقته، شرع في تبديل الصورة العامة للواقع العربي سواء في مظاهره أو في مضامينه ومحتوياته.
إن الأهم في الصورة الظاهرة للنساء العربيات في فترة ماقبل الثورات العربية، كانت صورة نساء رجال السلطة من القادة والزعماء العرب، والتي كانت تبرز فيها صورة زوجة الرئيس أو الملك، وفي الأقل من ذلك أخوات الزعيم وربما بناته الأميرات ومن في حكمهن في البلدان الجمهورية، وجمعيهن أخذن مواقع الصدارة في أنشطة عامة، غالباً ماكانت مدخلهن إلى الإعلام والشهرة بوصفهن شخصيات لهن مكانة متعددة الأوجه في بلادهن وفي العالم العربي على وجه العموم.
لقد تعددت المجالات التي حضرت فيها نساء رجال السلطة العربيات لدرجة يمكن القول، إن حضورهن شمل مختلف الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فكانت بينهن من أخذت دوراً سياسياً وإن كن قليلات، ومنهن من مارست نشاطاً اقتصادياً، اختلطت فيه الأهداف الاجتماعية في بعض الأحيان، وبعضهن قمن برعاية أنشطة ثقافية وعلمية ورياضية، لكن أكثرهن شاركن في أعمال من طبيعة اجتماعية مثل رعاية المؤسسات الخيرية ومؤسسات رعاية الأطفال والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.
ورغم أن أنشطة نساء رجال السلطة، كانت لها أهداف شخصية تتعلق بهن وبطموحاتهن، فإن الهدف العام والأساسي لنشاط نساء رجال السلطة كان تعزيز سلطة رجالهن، ومناصرة وتقوية سلطة الحاكم الرجل زوجاً أو أباً أو شقيقاً أو قريباً باعتبار أن أنشطتهن لم تكن في أغلب الأحيان بعيدة عن اعتبارها علاقات عامة من طراز خاص، تتم على مستوى القمة أو بالقرب منها.
وكان من الطبيعي في ضوء تلك الوقائع، حشد كل الإمكانيات وبخاصة الإعلامية لإبراز صورة نساء رجال السلطة باعتبارهن الوجه العام للنساء العربيات ووجوه أنظمته السياسية، ولم يقتصر الأمر على الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب الرسمي والخاص في تقديم أخبار ونشطات نساء رجال السلطة ومشاريعهن، بل امتد الأمر الى اقامة ندوات ومؤتمرات في إطار حملة إعلامية – دعاوية هدفها إبراز حضورهن كوجه للنساء العربيات، والترويج لسياسات الأنظمة التي ينتمون إليها.
غير أن ثورات الربيع العربي ومنذ انطلاقتها في تونس وامتداداً إلى مصر ثم إلى ليبيا واليمن وسوريا وغيرها، سرعان ما هزت صورة نساء رجال السلطة بخصوصياتهن من جهة وفي إطار هز النظام السياسي الذي يعشن في كنفه، وكانت أوضح تلك العمليات ماكشف عنه في دور ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي التي كانت تقود أهم عصابة تأثير سياسي ونهب اقتصادي في تونس، وكذلك دور سوزان مبارك زوجة الرئيس المصري السابق التي كان لها نفوذ وتأثير سلبي على الحياة العامة المصرية في العديد من المجالات وبخاصة في المجالات الاقتصادية والثقافية، ومثله دور عائشة ابنة العقيد القذافي حاكم ليبيا السابق التي كشفت الأحداث عن دور وتأثير متعددي اأابعاد لها في الحياة الليبية.
ومقابل اهتزاز صورة نساء رجال السلطة العربيات، أخذت صورة نساء الشارع العربي بالصعود، ومنها صورة النساء المشاركات في ثورات الربيع العربي ولاسيما في الاعتصامات والتظاهرات وأعمال الاحتجاج، وهي أنشطة لم تقتصر على قطاع نسائي محدد في البلدان العربية، بل شملت مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية إضافة إلى الناشطات في ميدان العمل السياسي، وتوزعت النساء على المستويات العمرية الثلاث من أطفال المدارس إلى الشابات وصولا إلى النساء الكهلات اللواتي مارسن أدواراً متعددة في ثورات الربيع العربي، وكانت صورهن ظاهرة في التغطيات المصورة لأحداث الثورة في أغلب البلدان.
ومشاركة النساء في الربيع العربي، لم تبدأ في ثوراته. بل هي بدأت قبل انطلاق تلك الثورات في العديد من البلدان. إذ أنه وبعد انطلاق ثورة تونس في أواخر العام 2010، شهدت بلدان عربية عديدة اعتصامات نسائية دعماَ للثورة التونسية، كما حدث في دمشق والقاهرة على سبيل المثال، وهو أمر تكرر في دمشق والقاهرة وصنعاء، حيث نظمت اعتصامات شاركت فيها النساء لنصرة ثورات مصر وليبيا، فيما كانت نساء تلك البلدان يساهمن في فعاليات الثورة، ولعل نشاط النساء السوريات يمثل نموذجاً غنياً للأفق الذي تطورت فيه مشاركة المرأة في الربيع العربي وثوراته.
إن المساهمة الأولى للسوريات في الربيع العربي كانت مشاركتهن في اعتصامات نظمت أمام سفارات تونس ومصر وليبيا عند انطلاق الثورات في تلك البلدان، وفي قلب تلك الاعتصامات برزت أسماء ناشطات سوريات بينهن دانا بقدونس ودانا الجوابرة وملك الشنواني وهنادي زحلوط وغيرهن، وفي الاعتصام الذي نظم لعائلات المعتقلين السياسيين أمام وزارة الداخلية قبيل انطلاق الثورة في سوريا في آذار الماضي برزت أسماء سوريات أخريات بينهن رزان زيتون ووفاء لحام وحسيبة عبد الرحمن وغيرهن، وكانت السوريات حاضرات في أول تظاهرات تطالب بالحرية في دمشق ومن قلب هذه التظاهرة اعتقلت الشابة مروة الغميان والتي كانت أول معتقلات ثورة الربيع السوري، وانضمت في هذا الى قريناتها اللواتي اعتقلن في مقدمات الثورة ولاسيما اللواتي اعتقلن امام وزارة الداخلية، وإلى اللواتي اعتقلن في تظاهرة المثقفين السوريين بدمشق وكانت بينهن الممثلة مي سكاف وكاتبة السيناريو ريما فيحان.
وبانطلاق الثورة بعد أحداث درعا وما صاحبها من قمع وإرهاب شديدين، أخذت مشاركة السوريات في الثورة تأخذ أبعادها الكاملة عبر المشاركة في التظاهرات سواء كانت مشتركة إلى جانب الرجال، أو كانت تظاهرات تقتصر على النساء وحدهن، وكذلك في الاعتصامات التي نظم كثير منها من أجل المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات من الأزواج والأبناء والأخوة، وقد أضافت النساء إلى هذه الخصوصية قيامهن بأدوار خاصة بينها تقديم مساعدة بعد الهجمات التي تشنها القوى الأمنية والعسكرية والشبيحة على التظاهرات، حيث تقدم المساعدات الطبية للمصابين من المتظاهرين والإسعافات الأولية والمساعدة في الاختباء وفي التدخل أحياناً لانتشال أطفال من بين أيدي رجال الأمن.
لقد أحدثت مشاركة النساء في الثورة وفعالياتها كثيراً من التغييرات الجوهرية في حياة السوريات. ففي كثير من المناطق التي اجتاحتها رياح الثورة، تم كسر الفصل القائم بين النساء والرجال في الحياة العامة وفي الحياة اليومية، وصارت النساء كما الرجال يخرجن إلى التظاهر وإلى الاحتجاج والاعتصام، وصارت النساء اللواتي كن خارج المشاركة في الشأن العام في قلب تلك المشاركة، بل إن تلك المشاركة اقترنت بتوسيع أطر الفهم السياسي ليس للثورة باعتبارها فعلا سياسياً، بل بما يحيط بها من موضوعات تتعلق بالمعارضة السياسية وجماعاتها وبالشعارات التي يرفعها المتظاهرون من شعار الحرية والكرامة إلى شعار إسقاط النظام وما بينهما، لقد جعلت تلك المشاركة السوريات اقرب مايمكن الى التساوي مع الرجال، بل ربما تكون قد أعطتهم فرصا أفضل للسير إلى الأمام نحو لعب دور أهم في مستقبل سوريا.