النشاط الإعلامي في “ديرالزور”… مهنة الخطر بمعاقل “داعش”/ عادل العايد
منذ سيطرة “داعش” على المناطق المحررة في دير الزور تعاني أكبر مدن شرق سورية تعتيماً إعلامياً يفرضه التنظيم، وذلك بعد إعدامه وتهجيره الناشطين الإعلاميين الذين صقلوا مهارتهم وخبراتهم الإعلامية على هامش الثورة السورية، بحيث يعمل التنظيم المتطرف على جعل الجهاز الإعلامي الخاص به، الطرف الوحيد المعني بنقل مجريات الأحداث في المنطقة، وذلك باتباع سياسة العقاب العنيف تجاه كل من يحاول نقلها بشكل مستقل.
محاولة داعش لجر الناشطين لصفوفها
عامر 37 عاماً، ناشط إعلامي من مدينة ديرالزور، كان ينشط إعلامياً في منطقته المحررة عندما تقدم داعش ليسيطر على ريف المدينة بالكامل، ويفرض حصاراً خانقاً على الفصائل والناشطين في الأحياء المحررة في مدينته، وبعد دخوله هذه الأحياء إثر تسليم هذه الفصائل سلاحها أو مبايعتها له، تخفّى عامر عدة أيام قبل أن يخبره مقربون من التنظيم بضرورة مجيئه لمقابلة المدعو أبو أنس المصري، وهو الأمير الإعلامي للتنظيم في ديرالزور، حيث عقد المذكور آنفاً اجتماعا لكل الإعلاميين المستقلين الذين فضلوا البقاء في المدينة بغرض التفاهم على صيغة عمل ليكملوا عملهم، وذلك بعد سيطرة داعش على دير الزور بحوالي أسبوعين فقط.
يقول عامر عن ذلك: كان عدد الناشطين الإعلاميين الذين فضلوا البقاء في ديرالزور لا يتجاوز 15 ناشطا، ومن بداية الجلسة أخبرنا المصري بأنه يجب علينا كناشطين أن ننسى الكلام عن الحرية والديمقراطية، وأنه سيسمح بعملهم كإعلاميين مستقلين شرط الموافقة على شروطه.
ويتابع عامر: كان الشرط الأول ألا نتواصل مع قنوات إخبارية سواء عربية أو أجنبية بشكل تام، ويسمح لك أن تعمل لمصلحة وكالات أنباء، وأن ترفع لها أخبارا وصورا من دون الرجوع إلى التنظيم، أما الفيديو فعليك الرجوع للمكتب الإعلامي لأخذ الموافقة.
خمسة ناشطين تملصوا من الارتباط بالاتفاق، وخرجوا بعد هذا الاجتماع بفترة وجيزة إلى الأراضي التركية وذلك لعدم ثقتهم بوعود داعش، فيما بقي الآخرون في ديرالزور وكان منهم عامر، وهمهم الأساسي، بحسب عامر، هو توثيق أحداث هذه المرحلة والخوف من مغبة غياب التغطية الإعلامية عن منطقتهم.
يشير عدد من الناشطين المطلعين على هذا الاتفاق إلى أن المصري كان يحاول أخذ من تبقى من إعلاميي ديرالزور إلى صف داعش بغرض الاستفادة منهم بدلاً من الخوف من نشاطهم، كما في مناطق أخرى، خصوصاً مع افتقار التنظيم فيها للكوادر الإعلامية مقارنة بأخرى، فيما يرجح آخرون أن الهدف كان استخدام الوسائل الإعلامية لصالحه عن طريق هؤلاء الناشطين ومعرفة كل التفاصيل التي تعمل فيها بدير الزور تمهيداً للقضاء على أي نشاط إعلامي فيها.
سيف فوتوغرافي في ظهر التنظيم
بعد أربعة أشهر عاد تنظيم داعش ليعتقل عامر وإعلاميا آخر، وذلك بعد نشره صورا من ديرالزور على حسابه على موقع فيسبوك، واقتيدا إلى مدينة الرقة القريبة والتي تعتبر عاصمة داعش في سورية، ليتم التحقيق معهما من قبل مسؤول رفيع المستوى عن الإعلام في داعش، وذلك في أحد مقرات التنظيم وبحضور عدد من أمنيي التنظيم، ويقول عامر عن ذلك: سألني المسؤول الإعلامي عن عملي، وعندما أجبت بأنني مصور فوتوغرافي، رد عليّ: بل أنت سيف فوتوغرافي بظهر الدولة الإسلامية، وركلني بقدمه.
عدة أسابيع من الاعتقال مرت ليتم الإفراج عن عامر بعدها، وذلك بعد عجز المحققين عن إدانته، خصوصاً أنه كان يعمل وفق الاتفاق الذي أقره التنظيم نفسه، وبعد خروجه بفترة وجيزة خرج عامر من ديرالزور باتجاه الأراضي التركية.
من جانب آخر فقد لقي من فضّل البقاء والعمل كإعلامي تحت سيطرة داعش في دير الزور مصيراً مأساوياً فقد أعدم التنظيم خلال الفترة الماضية إعلاميين اثنين، وذلك بسبب نشاطهما الإعلامي، فيما بقي عدد آخرين قيد الاعتقال حتى هذه اللحظة، وذلك رغم وجود اتفاق نصي يحكم علاقتهم بالتنظيم وعملهم ضمن الشروط التي وضعها.
أجهزة النت الفضائي والعقوبة الإعدام
وتعاني ديرالزور من جهة أخرى ضعفاً في التغطية الإعلامية، وذلك بسبب سيطرة التنظيم ومنعه أي نشاط إعلامي مستقل فيها، فقد فرت الغالبية العظمى من إعلامييها، ويحاول التنظيم بشكل حثيث التعتيم على المنطقة إعلامياً، وترسيخ تفرد جهازه الإعلامي بالتغطية الإعلامية، ولذلك فهو يراقب ويضيق على عمل صالات النت الفضائي المنتشرة في ديرالزور، والتي تعتبر خلال السنوات الماضية وسيلة التواصل الأساسية في ظل تردي وضع شبكات الهاتف الأرضي والمحمول في المنطقة، ويعمل من جانب آخر على سحب أجهزة الاستقبال الفضائي من الأهالي ليحرمهم من مشاهدة القنوات التلفزيونية، وبذلك تصبح ديرالزور يوماً بعد آخر معزولة عن العالم الخارجي بشكل كبير.
يقول محمد خليف، وهو ناشط إعلامي من ديرالزور، خرج مع دخول داعش: صالات النت الفضائي تعتبر الوسيلة لنقل ما يحصل داخل ديرالزور، وداعش يضيق على عمل هذه الصالات ويراقب عملها وكل من يرتادها، إذ تقوم عناصر بدوريات مفاجئة أثناء عمل الزبائن فيها، ويقوم بتفتيش أجهزة الهواتف الخاصة بهم، ومن يوجد على هاتفه أي رسالة أو صورة أو فيديو تعارض توجه التنظيم فسوف يعاقب بشدة.
ويتابع: العقوبة قد تصل إلى الموت، فقد أعدم التنظيم منذ أقل من شهر مراهقا من أصول كردية في منطقة البصيرة، شرقي ديرالزور، بسبب تواصله مع خاله المقيم في إقليم كردستان على برنامج الواتساب، وقد كان خاله يتخذ علم كردستان صورة شخصية له على البرنامج.
التعدد والتوحد أيهما أنفع
وتعاني الشبكات الإعلامية المحلية العاملة في ديرالزور تحت سيطرة تنظيم داعش خلال الفترة الأخيرة من صعوبة تسريب الأخبار والفيديوهات والصور من أرض الواقع، ويرجع المدير التنفيذي لشبكة ديرالزور 24 عمر أبو ليلى سبب ذلك إلى الخوف من العقاب الدموي الذي يمكن أن يصبه التنظيم بحق من يعمل في مجال الأخبار أو يقوم بتسريبها من الأشخاص القاطنين في مناطقه، وبسبب صعوبة توافر شبكة النت بسبب المراقبة الشديدة التي يفرضها التنظيم على استخدام أجهزة النت الفضائي.
ويتابع: معظم الشبكات المحلية تستطيع أن تغطي ديرالزور من ناحية الأخبار وبعض الصور، أما مقاطع الفيديو فهو أمر صعب، إذ يحتاج إخراج فيديو من شهر إلى شهر ونصف، وبعد أن يتم إخراجه نواجه فرضية تتبع مراسلينا عن طريق الفيديو ذاته، مما يشكل خطرا عليهم ويدفعنا للإحجام عن نشره.
وتعمل عدة شبكات إخبارية محلية في ديرالزور، تعنى بنقل مجريات الأحداث في المنطقة، ويطرح القائمون عليها بين الفينة والأخرى إمكانية توحيدها لتصبح أكثر فاعلية بتغطية أحداث المنطقة، إلا أن هذه الطروحات تفشل لأسباب عدة، منها تعدد الداعمين وعدم وجود أرضية صالحة للتوحد في ظل الشتات الذي يعيشه الناشطون الإعلاميون من أبناء المنطقة، إلا أن عدم توحيد الجهود بحد ذاته قد يصب في صالح عمل هذه المؤسسات فهو يجعل من ملاحقة التنظيم للإعلاميين واختراق شبكاتهم والتعرف إلى بنيتها ومراسليها على الأرض، أمرا بالغ الصعوبة في ظل تعدد المصادر التي تعمل على نقل الأخبار، وهو أمر أسهل له في حال توحد هذه الشبكات في إطار واحد، حيث تسهل عليه محاربتها ومنع عملها على الأرض.
تبقى التغطية الإعلامية في ثاني أكبر محافظة في سورية، أضعف بكثير من مثيلاتها في المحافظات الأخرى، في ظل تقاسم السيطرة فيها بين تنظيم داعش وبين النظام السوري وموقعها النائي جغرافياً نوعاً ما عن المركز السوري.
(سورية)
العربي الجديد