النصائح الأسدية
سناء الجاك
هل تعلمون ان الثنائي ساركوزي- جوبيه ذهب إلى مزبلة التاريخ مع انتخاب الاشتراكي فرنسوا هولاند رئيساً للجمهورية الفرنسية؟ وهل تعلمون ان ساركوزي كان “يحتل” قصر الاليزيه؟
طبعاً مثل هذه المعلومات تبقى جواهر دفينة ما لم يرشدكم الإعلام في نظام الاسد الى ذلك، ويُفهمكم ان الفرنسيين أرسلوا ساركوزي ووزير خارجيته إلى مزبلة التاريخ لأنهما “عملا طوال الأشهر الـ15 الماضية بحثاً عن مدخل من خلال مجلس الأمن الدولي لتدمير سوريا متسلحين بمبررات زائفة وحملات إعلامية كاذبة وبدفع من أعداء سوريا”. من الطبيعي ان يحتفل النظام الاسدي بـ”فرنسا حرة حرة”، ويهتف عبر إعلامه الديموقراطي والموضوعي والشفاف “ساركوزي اطلع برا”. الانكى ان هذا النظام يصوّر الانتخابات الفرنسية كأنها ثورة، لكن من دون “تكبير”، على أساس ان كل من يقول “الله أكبر” هو من “القاعدة” ويهدد الغرب والمسيحيين، وان من يشكل خلية معارضة تحمل اسم رفيق الحريري هو قاتل، وان “الصهيوني برنار كوشنير كوزير نسي يوماً أنه جاء لمناقشة ملفات حاسمة في لبنان ففضّل رقص الدبكة في أحد الأعراس، وهل هناك أفضل من الساسة اللبنانيين للافتخار بمراقصة وزير هنا أو مساعد وزير خارجية هناك!”.
لا يهم كثيراً ايجاد النقاط المشتركة بين الانتخابات الفرنسية التي تؤمن بتلقائية تداول السلطة، والتركيز المريض على ادانة كل تعاطف مع لبنان ديموقراطي او كل تنديد بجريمة اغتيال يذكر اسم الرئيس المغدور رفيق الحريري، او كل تعامل مع فريق سياسي موجود لأن الاغتيالات لم تنجح في ازالته “ديموقراطياً” من الحياة السياسية اللبنانية التي يحب ان يصول فيها ويجول من لا يقبل الخسارة في صناديق الاقتراع فيعرقل البلاد من اجل حكومة توافقية ملغومة بثلث معطل وقمصان سود.
أكثر من ذلك. يضع النظام الاسدي خطة عمل لهولاند ويحذّره سلفاً وبكل المقاييس من “اللعب بالنار كما فعل ساركوزي”، ويذكّره بأن “الورقة السورية ليست بهذه السهولة”، ويوحي له ان “رحيل ساركوزي وجوبيه معاً وهما كانا رأس الحربة في أوروبا بالضغط نحو توتير الأزمة السورية سيكون له انعكاساته، إذ لا يمكن لوزير الخارجية الجديد أن يتابع الأسلوب نفسه، وتحديداً أنه سيكون مقرباً من رئيس الجمهورية”. وينذره بان “بوتين عاد رئيساً لروسيا رغم ما يعتبرونه هم مواقف سلبية له من الأزمة السورية، في حين ساركوزي بات من التاريخ رغم كل ما أظهره من دعم للمشاريع الهادفة إلى ضرب سوريا، ويطالبه بحكومة تعتمد سياسة تصالحية”. ويهدده بأنه “عندما ترهن أوروبا شعوبها فلا بد أن يزورها الربيع، لا سيما بعدما استطاعت الولايات المتحدة الأميركية أن تقنع قادة أغبياء في أوروبا وعلى رأسهم فرنسا وبريطانيا بالحرب والاشتراك في تنفيذ مخططاتها لتحقيق حلم الربيع العربي تحت شعار الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان التي هي ذاتها تفتقر إليها”. ويبذر الفتنة بين هولاند “المبتدئ” والمجتمع الدولي، فيشير الى ان “أميركا استطاعت إسقاط الاتحاد الأوروبي خشية أن تصبح أوروبا نداً لها”.
كلنا نعرف العقدة النفسية الاسدية من العلاقات الندية مع لبنان، لذا نستطيع ان نفهم أبعاد الرسائل التي يريد بها النظام ان يشبه الولايات المتحدة بحاله كقطب أوحد في المنطقة، والاتحاد الاوروبي بحالنا كتابع لا يحق له ان يرفع رأسه، ويحث الرئيس الفرنسي الجديد على مواجهة الاستكبار، كما يحذّره من الخلل الديموغرافي حيث بدأت التيارات السلفية الوهابية القادمة من بلاد العربان والسلطنة العثمانية تفرض سيطرتها على المجتمعات الأوروبية. وينبهه من مفاعيل شعار “الديموقراطية وحقوق الإنسان” التي تستغلها هذه التيارات لنقل ثقافات تعيد أوروبا إلى القرون الوسطى.
طبعاً سينصح هذا النظام هولاند بعدم التوقف عند عمليات القتل التي تحصد طفلاً سورياً كل ثماني ساعات منذ اندلاع الثورة. ربما سيلقنه فنون اللعب بالدستور، فتصير “الاكثرية العددية” اكثر شرعية من صناديق الاقتراع، وتصبح الديموقراطية صنيعة القمصان السود. ويعلمه بأن النأي بالنفس فلسفة “Double Face” يستحسن استخدامها في مجلس الامن ومجلس الجامعة العربية، ويتم تجاهلها عندما يتعلق الامر بمساعدة اللاجئين او ملاحقة الناشطين…
ربما يقترح النظام الاسدي على هولاند التخلي عن الحزب الاشتراكي وتأسيس فرع لحزب البعث السوري يؤمّن له ولاية ثانية وثالثة ورابعة بعد تغيير في الدستور واستفتاء تليه انتخابات على طريقة “سوريا الاسد… شبّيحة الى الابد”.
النهار