صفحات العالم

سوريا كعنوان للحوار


ساطع نور الدين

البديهيات السورية التي أعلنت في أعقاب جلسة الحوار الوطني الاخيرة في قصر بعبدا، قبل أسبوعين، جديرة بأن تتحول إلى جدول أعمال لبناني في الفترة المقبلة التي تدخل فيها سوريا المرحلة الانتقالية الأصعب والأخطر في تاريخها.

هو اكثر من عبث، السعي الى إدراج سلاح حزب الله على جدول أعمال الجلسة المقررة اليوم. ثمة ما يشير الى رغبة لبنانية في استعجال حصد نتائج الثورة السورية، التي لن تنزع هذا السلاح لكنها ستعيده الى مكانه ومساره الطبيعيين، بعدما تورط في السنوات الثماني الماضية في أسوأ اشكال السياسة الداخلية وارتكب سلسلة من الاخطاء الكارثية التي تهدد فكرة المقاومة وجوهرها ووظيفتها الفعلية.

ومثل هذا التسرع لن يجدي نفعا، بل لعله سيؤدي الى عكس المراد، ويزيد الاستنفار المذهبي، السني والشيعي، المتضخم اصلا.. والذي يمثل الحافز الخفي والوحيد لقرار استئناف جلسات الحوار الوطني، التي تلقى تشجيعا وترحيبا عربيا ودوليا بصفتها مانعا للفتنة، بما هي التهديد الابرز الذي يخشى ان تورده سوريا الى البيئة اللبنانية الجاهزة لاستيراده.

يمكن للحوار ان يعرج على سلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية، لكنه سيكون نقاشا فكريا وأكاديميا، بالمقارنة مع البحث الجوهري المطلوب حول سبل ضمان الاستقرار اللبناني الداخلي، وعلى الحدود الشمالية والشرقية، في اللحظة الانتقالية السورية الحرجة، التي تتسبب بسقوط ضحايا لبنانيين بمعدلات متزايدة لا يجوز التسامح معها طويلا، بغض النظر عما اذا كانت تسقط دفاعا عن النظام او عن الثورة في سوريا.

امن لبنان على المحك. مصدر الخطر الآني والمباشر معروف ومحدد. وهو لا يلغي الخطر الاسرائيلي لكنه يسمح بدفعه الى المرتبة الثانية على لائحة المخاطر الوطنية.. ويستدعي بحثا اكثر جدية من اي وقت مضى، وبناء على بيان البديهيات المعلنة في اعقاب جلسة الحوار الاخيرة، في ترجمة سياسة النأي بالنفس الى وقائع ميدانية ثابتة، تسهم في منع تحويل لبنان الى ممر او مقر للنظام او للثورة في سوريا.

هي مهمة صعبة، بل لعلها مستحيلة بناء على قدرة لبنان وثقافة مسؤوليه وسياسييه. لكنه لا مفر منها، ولا مجال لاستباقها بجدل فقهي عقيم وسابق لأوانه حول الاستراتيجية الدفاعية التي كانت وستبقى جزءا من المنظومة الدفاعية السورية، أيا كان شكل النظام المقبل في دمشق. هذا هو درس التاريخ الذي لا ينسى.. لكنه يحتمل التأجيل الى ما بعد انتهاء المرحلة الانتقالية الدقيقة في سوريا، التي تفرض في الاصل ان يكون لبنان حاضرا، او على الاقل متابعا، لأي مؤتمر او لقاء يعنى بمصير الاخ الاكبر ومستقبله.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى