صفحات العالم

كواليس موسكو وحل الأزمة السورية/ هاني شادي

 

 

شهد صيف العام الجاري ارتفاعاً ملحوظاً في درجة «سخونة» الجدل الدائر حول سيناريوهات حل الأزمة السورية، وذلك منذ لقاء بوتين وكيري في مدينة سوتشي، ولقاء بوتين وولي ولي العهد السعودي في بطرسبورغ، ثم التوصل إلى اتفاق فيينا بشأن النووي الإيراني. ولا يُخفى أن وصول وزير الخارجية الروسي إلى الدوحة، لأول مرة منذ سنوات عدة، للقاء نظيريه الأميركي والسعودي وغيرهما من وزراء خارجية «مجلس التعاون الخليجي»، كان يتعلق بدرجة كبيرة بالوضع في سوريا ضمن قضايا أخرى هامة متشابكة مع الملف السوري، منها محاربة تنظيم «داعش»، ومنظومة أمن الخليج بعد اتفاق فيينا ودور إيران فيها، والعلاقات الإيرانية السعودية المستقبلية، وأزمتا اليمن وليبيا.

لعل «مبادرة» الرئيس الروسي الرامية إلى تشكيل تحالف بين الحكومة السورية والمملكة العربية السعودية وتركيا وغيرهما من دول المنطقة في مواجهة «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى، قد لعبت دوراً محركاً، بجانب الاتفاق النووي الإيراني، في «تسخين» محاولات البحث عن مخرج للوضع في سوريا. لقد أوضح وزير الخارجية الروسي في الدوحة أن مبادرة الرئيس الروسي تكمن في تشكيل جبهة موحّدة لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، عبر توحيد جهود القوى والدول التي تحارب الإرهاب. وقد شدّد على ضرورة تعاون الذين يحملون السلاح على الأرض ويقاتلون الإرهاب، مثل الجيش السوري والأكراد والجيش العراقي. وكشف لافروف أن هذه المقترحات بالذات بحثها الرئيس الروسي خلال لقائه ولي ولي العهد السعودي في سان بطرسبورغ.

وبرغم توضيحات وزير الخارجية الروسي المذكورة أعلاه، يتردّد في موسكو داخل الأروقة المغلقة أن «مبادرة» بوتين ليست روسية بحتة، وإنما جرى التنسيق بشأنها عندما التقى الرئيس الروسي بوزير الخارجية الأميركي جون كيري في مدينة «سوتشي» في شهر أيار من هذا العام. أي أنها محاولة «روسية ــ أميركية»، ربما «للضغط»، أو ربما لإقناع دول المنطقة وعلى رأسها السعودية بأن الخطر الأساسي حاليا يتمثل في الإرهاب و «داعش». ومن المعروف أن موسكو تتبنّى هذا الموقف أساساً في مقاربتها لحل الأزمة السورية، ومن ثم حل الوضع المتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد. وانطلاقاً من هذا، يُقال في العاصمة الروسية إن الأمير محمد بن سلمان في بطرسبورغ وخلال لقائه بالرئيس بوتين في شهر حزيران الماضي اقترب من المفهوم الروسي باعتبار أن محاربة «داعش» هي الأولوية حالياً. ولا يقل أهمية عن ذلك ما يتردد أيضاً داخل الكواليس الروسية بشأن افتراض «تعب» القيادة العليا في سوريا من الحرب الدائرة.

إن المقاربة الروسية تدور حولها في الآونة الأخيرة، داخل العاصمة الروسية وخارجها، الكثير من التسريبات، من بينها طبيعة دور الرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية وما بعدها. ففي كواليس موسكو يتردّد سيناريو بقاء الأسد في الحكم حتى العام 2018، على أن يتم حسم موضوع إمكانية ترشُحه مجدداً بعد ذلك للرئاسة من عدمه عبر المفاوضات. ويبدو أن بعض عناصر المعارضة السورية السياسية توافق على هذا البقاء الانتقالي. ولكن من غير المعلوم ما إذا كانت الرياض وطهران توافقان في الوقت الحالي على ذلك أم لا. علماً بأن زيارة ميخائيل بوغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي إلى طهران مؤخراً. ومباحثاته مع الإيرانيين ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، تصُب كذلك في محاولات بحث الأفكار و «المبادرات» المختلفة لتسوية الأزمة السورية بناء على نتائج اجتماعات الدوحة وما يطرحه الروس بهذا الشأن.

وتبدو جميع الأطراف الإقليمية والدولية المشاركة، بدرجة أو بأخرى، في الصراع حول سوريا، موافقة حالياً على مبدأ «الحل السياسي» كحل لا بديل عنه للأزمة. ولكن هذا، كما نعلم، لا يقلّل من «سخونة» المعارك الدائرة على الأرض السورية. ونلاحظ، على العكس من ذلك، أن هذه المعارك تزداد حدّتها وضراوتها، ربما تمهيداً للحظة الحسم في المفاوضات والمقاربات المتعدّدة حول سوريا. في الوقت نفسه، نرى أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري في الدوحة يؤكد من جديد على ضرورة رحيل الرئيس السوري. ومن جانبه، ينتقد لافروف، من الدوحة أيضاً، قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بالسماح للطيران الأميركي بمهاجمة القوات السورية الحكومية لحماية الجماعات المسلحة التي درّبتها واشنطن، وذلك في حالة تعرّضها الى هجوم من جانب القوات السورية. ويدخل على الخط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مصرّحاً بأن مكالمته الهاتفية الأخيرة مع الرئيس الروسي أشعرته بأن بوتين بدأ يغير موقفه من الأزمة السورية. وهذا هو تصريح الرئيس أوباما نفسه بعد اتصال هاتفي مع الرئيس بوتين في نهاية حزيران الماضي، والذي سارع الكرملين إلى نفيه على الفور. ولذلك، نرى بعض الصحف الروسية تعتقد بأن لقاء الدوحة كشف إمكانية «اتفاق ما» على محاربة «داعش»، في ظل استمرار الخلاف بشأن تسوية الأزمة السورية. ويمكن القول إن شيئاً ما، أو سيناريو ما، «يُطبَخ» خلف الكواليس بشأن سوريا سواء عبر الإقناع والتفاهم أو عبر الضغط. ولا يمكن هنا إغفال محاولات الحكومة السورية نفسها للتأثير على ما «يُطبَخ» عبر الحديث أن كل المبادرات الدولية لحل الأزمة السورية تمرّ عبر دمشق الرسمية. وقد تكون كواليس موسكو حُبلى في الفترة المقبلة أيضاً بالكثير من الأفكار والسيناريوهات المحتملة لتسوية الوضع في سوريا، خاصة في ظل زيارات قريبة لـ «الائتلاف الوطني السوري» وقيادات خليجية عليا إلى روسيا. ولكن الأمر، برأينا، سيستغرق الكثير من الوقت لوضــــع النقاط على الحروف في إحدى أعقد أزمات منطقتنا.

السفير

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى