صفحات سوريةمنذر خدام

النظام السوري والمآل المحتوم


منذر خدام

لم تكن مفاجئة تماما قرارات جامعة الدول العربية التي صدرت عن مجلسها الوزاري في جلسته الطارئة بتاريخ 12/11/2001، ليس فقط لأن وفد هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي الذي قابل الأمين العام لجامعة الدول العربية كان قد طالب بها، أو لأن المجلس الوطني السوري كان قد طالب بأشد منها، بل لأن طريقة الدعوة إلى اجتماع يوم السبت الموسومة بنوع من العصبية تجاه النظام السوري لاستمراره في قتل السوريين، و ما رشح من مصادر مسؤولة في جامعة الدول العربية، وما استشفه ممثلو هيئة التنسيق الذين قابلوا ولي عهد قطر خلال استقباله لهم في الدوحة، كلها كانت تشير إلى أن مجلس وزراء الجامعة العربية سوف يتشدد في موقفه من النظام السوري. ربما المفاجأة الوحيدة التي حصلت، تتعلق بعدد الدول العربية التي أيدت القرار، ومنها دول تعد صديقة للنظام السوري وكان يراهن على عدم تأييدها لأي قرار يشكل تصعيدا في موقف الجامعة العربية من سورية. على كل حال فقد اتخذ القرار، وبغض النظر عن المناقشات التي صاحبته والتي لم تكن كلها في الحدود الدبلوماسية المقبولة، فإنه يشكل خطوة جديدة إضافية على طريق التصعيد الخطير والحقيقي ضد النظام السوري. ومما لا شك فيه بأنه في حال عدم تنفيذ النظام السوري ما هو مطلوب منه بموجب مبادرة الدول العربية، فإن احتمال حصول انفجار إقليمي كبير يصير أكثر واقعية. وعندئذ سوف لن يكون تأثيره على سورية وحدها بل على الإقليم المحيط بها برمته، وسوف تكون له بلا شك تداعيات دولية.

في بداية الحراك الشعبي كان السوريون من الممكن أن يقبلوا ببعض الإصلاحات في بنية النظام الأمنية، وفي مجال توسيع هامش الحريات وإعادة الحياة السياسية إلى المجتمع. لم يكن في ذلك الوقت مطلب إسقاط النظام مطروحا في شعارات الشارع، أما اليوم ونتيجة للنهج الأمني الذي اتبعه النظام في التعامل مع المطالب المشروعة للشعب السوري، وبعد سقوط ألاف الشهداء وعشرات الآلاف من المفقودين والمعتقلين والمشردين، لم يعد أحد من الثائرين أو من القوى المعارضة الرئيسية، أعني المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية، يقبل ببقاء النظام بكل أركانه ومرتكزاته.

إن سياسة حافة الهاوية التي ما انفك يمارسها النظام السوري لم تعد تجدي نفعا له، بل هي تقوده من فشل إلى فشل، ومن وضع أقل تأزماً إلى وضع شديد التأزم، من وضع كان الشعب السوري لوحده فيه رهينة، إلى وضع صارت جميع الدول الإقليمية رهينة فيه. أي غباء سياسي هذا وأي سلوك غير مسؤول، وأي “رجال” دولة هؤلاء الذين يقودون بلدهم وشعبهم إلى حافة الهاوية، باستعداد كامل لرميه فيها. ثمة مسؤولية كبيرة اليوم على السوريين “الموالين” للنظام، بأن يرفعوا صوتهم عاليا بأن كفى تلاعبا بمصير الشعب والبلد، وليرحل هذا النظام الفاسد اليوم والآن قبل بعد الآن والغد. إنه نظام آيل إلى السقوط هذا قدره المحتوم، فالشعب السوري لن يقبل بعد الآن بحكم الطغاة المستبدين، لقد صار بفضل انتفاضته الباسلة يتنفس حرية، يريد أن يكون سيد نفسه، يقرر نظام الحكم الذي يرتضيه، ويكلف من يراه مناسبا لتولي وظيفة الحكم عبر صناديق الاقتراع.

وبالعودة إلى قرار المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية المنعقد بتاريخ 12/11/2011 فإن ما يلفت الانتباه فيه هو دعوة المعارضة السورية إلى الاجتماع في مقر الجامعة خلال ثلاث أيام، هذا يصادف يوم غد الثلاثاء في 15/11/2011، لتقديم رؤيتها للمرحلة الانتقالية، وهذا بحد ذاته يشكل تحولا نوعيا في موقف الجامعة، يتجاوز ما كانت قد طالبت به في مبادرتها الأصلية الصادرة بتاريخ 2/11/2011 الداعية إلى عقد مؤتمر وطني للحوار بين السلطة والمعارضة. الرسالة التي توجهها هذا الدعوة في قرار الجامعة والتي تتضمن أيضا استعداد الجامعة للاعتراف بالمعارضة السورية كممثل للشعب السوري، إذا ما وضعت في إطار الحديث المتزايد عن إنشاء منطقة عازلة على الحدود الشمالية لسورية مع تركيا تعني ببساطة تدويل القضية السورية، ووضع سورية في مسارات التدخل العسكري الخارجي، والحرب الأهلية الداخلية. عند هذه النقطة أخشى أن تتباين مواقف القوى المعارضة السورية الرئيسية، التي تتفق على إسقاط النظام السياسي الاستبدادي، وتطالب بتنحي الرئيس السوري عن سد الرئاسة، وبتشديد الدول العربية والمجتمع الدولي الضغط على النظام، بكل أشكاله السياسية والدبلوماسية والحقوقية وغيرها، بما لا يرقى إلى مستوى التدخل العسكري الخارجي. فموقف هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي، وبعض القوى المهمة في المجلس الوطني السوري، وكذلك بعض قوى الحراك الشعبي(لجان التنسيق المحلية وغيرها) ترفض التدخل العسكري الخارجي، في حين تؤيده القوى الفاعلة في المجلس الوطني، وبعض القوى والشخصيات المعارضة الأخرى في الخارج والداخل.

من جهة أخرى وهذا لافت أيضا ويدعوا إلى التساؤل: لماذا لم تنفذ جامعة الدول العربية الشق المتعلق بها في نص مبادرتها الأصلية وترسل مراقبين عسكريين و حقوقيين و إعلاميين من لدنها إلى سورية؟!! لو فعلت لكان موقفها الأخير أقوى، وأكثر تماسكا و إقناعا من الناحية السياسية للجماهير الصامتة، إضافة إلى أنه كان سوف يضيق من هامش مناورة النظام. واليوم عندما يعلن النظام عن استعداده لاستقبال اللجنة الوزارية العربية مصحوبة بمن تشاء من مراقبين عسكريين ومدنيين وحقوقيين وإعلاميين، فلا ينبغي تفويت هذه الفرصة، وإلا سوف تثار أسئلة مشروعة عن الدور الذي تؤديه الجامعة العربية في مجمل الأزمة السورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى