النفط السوري
علي بن طلال الجهني *
تنتج سورية نحو 400 ألف برميل من النفط، أغلبه من النوع الثقيل، لا من النوع الخفيف المرغوب لسهولة تكريره، كالنفط الليبي على سبيل المثال. وتصدّر نحو 150 ألف برميل مما تنتج. وهذه كمية صغيرة نسبياً من مجموع ما يُعرض من النفط في الأسواق العالمية.
ومع أن مجموع ما يضيفه النفط السوري إلى الناتج الكلي يقدر بنحو 5في المئة، فإنه يبقى أهم مصدر من مجموع ما يحصل عليه «النظام» مباشرة من العملات الأجنبية الصعبة.
إن لدى سورية قدرات اقتصادية كامنة ضخمة، لو تم السماح لها بالانطلاق من أغلالها، ولذلك قد يفاجأ المراقب عندما يكتشف أن مجموع قيمة الناتج الكلي للاقتصاد السوري حالياً لا يزيد على مئة وبضعة مليارات من الدولارات فقط.
أي أن الاقتصاد السوري، كما هو الآن، لا كما كان ينبغي أن يكون، اقتصاد صغير بأي مقياس. وعلى رغم صغره، فإن عائد صادرات النفط الذي تواترت الأقوال بأنه يذهب مباشرة إلى أعلى قمة النظام، والذي يقدر بنحو 4 مليارات من الدولارات، في غاية الأهمية بالنسبة إلى النظام، لا بالنسبة إلى الناتج الكلي السوري الذي كانت السياحة فقط تضيف إليه نحو ثلاثة أضعاف ما يضيفه قطاع النفط بأكمله.
وحظر دول الاتحاد الأوروبي استيراد النفط السوري لن يؤثر كثيراً في أسعار النفط في الأسواق الدولية، كما سيأتي بيانه، ولكنه سيؤثر في المدى القصير في قدرة النظام على الحصول على ما يحتاج إليه من خارج الحدود السورية.
وبالطبع في إمكان النظام السوري تصدير ما كان يصدّره إلى دول الاتحاد الأوروبي، إلى دول كالصين والهند أو حتى إيران.
غير أن صادرات سورية من النفط من النوع الثقيل ومن النوع الذي ترتفع فيه نسبة الكبريت، والهند والصين لا تملكان ما يكفي من مصانع التكرير المعدّة لتكرير هذا النوع من النفط، على عكس دول الاتحاد الأوروبي التي لديها طاقة تكريرية محدثة هائلة، وتعودت على التعامل مع النفط ذي المنشأ السوري.
ولذلك وبعد أن يتلاءم النظام مع صدمة الحظر الأوروبي، سيعاني من انخفاض عائداته، لأنه سيضطر للتصدير إلى مناطق أبعد من أوروبا، فيدفع تكاليف نقل أكثر وتكاليف صدقية أعلى، تخلق صعوبات في تسويقه على الأقل في المدى القصير، مما سيؤدي إلى انخفاض عائدات تصدير النفط عما كانت عليه قبل الحظر.
ومن جهة أخرى، فإن حظر استيراد النفط، بحد ذاته، حتى لو كان بكميات أكبر بكثير من 150 ألف برميل، التي تصدرها سورية، لا يؤثر كثيراً في المستوى العام لأسعار النفط في أسواقه العالمية. والسبب أن ما يقرر مستوى الأسعار هو مجموع ما يعرض من جميع دول العالم وجميع ما يطلب والتوقعات عما يؤثر في المطلوب أو المعروض في المستقبل.
فالذي لا يباع على هذه الدولة أو تلك سيجد آخرين يشترون النفط حتى لو اضطروا لإعادة تصديره من موانئ خارج إطار الحظر.
أما إيقاف التصدير أو إعاقة ممرات نقله، فيعني النقص في مجموع المعروض والذي يؤدي بدوره إلى الخوف مما قد يحدث في المستقبل فترتفع الأسعار.
والذي أدى إلى مضاعفة أسعار النفط في عام 1973 ليس احتكار «كارتيل أوبك» المزعوم، وإنما خفض صادرات النفط من السعودية وبعض دول الخليج إلى الولايات المتحدة. ولم تكن «الأوبك» في أي يوم من أيام عمرها الطويل (أكثر من ستين سنة) قادرة على توحيد أهداف جميع أعضائها، لتكون «كارتيل» فاعلاً أو منظمة محتكِرة.
ولم ينخفض مجموع ما كان معروضاً من النفط بسبب الحظر العربي على تصدير النفط إلى أميركا بما يكفي لمضاعفة الأسعار في أواخر 1973. ولكن الذي رفعها هو التوقعات عما كان سيعرض. والخوف من المستقبل بحد ذاته أدى إلى تصاعد الطلب حتى تضاعفت الأسعار.
أما حظر الاستيراد فكل ما يعنيه، على المدى البعيد، أن المصدّر بدل أن يبيع على عمرو يبيع على زيد. وإذا غاب التماثل والتطابق بين احتياجات عمرو وزيد وإمكاناتهما، فإن الذي يتضرر هو المصدّر لا المستورد.
والله من وراء القصد.
* أكاديمي سعودي
الحياة