النفق السوري
عبدالله السويجي
يبدو أن سوريا بدأت تدخل نفقاً شديد العتمة سيزيد من إرباكها، وسيحولها، إن تزايد، إلى عراق جديد، أو ليبيا جديدة، أو حتى صومال آخر، فظاهرة التفجيرات تعكس اختراقات أمنية كبيرة في الجسد السوري، فمن كان يتوقع رؤية قطعة سلاح واحدة غير سلاح السلطة، وبغض النظر عمن يحمل السلاح، وكيف يتم تهريبه؟ إن الوضع يشبه الآن إلى حد كبير، الواقع اللبناني المقسّم إلى مناطق نفوذ، وهذا ما كان يؤكده محللون كثيرون من أن سوريا ولبنان أشبه بالتوأمين السياميين، فما بالك وقد أصبحت سوريا جارة لعراق مدجج بالسلاح، ولبنان موزع السلاح، وعلى الحدود الأخرى تركيا التي تحتضن قيادات (جيش سوريا الحر)؟ لا شك أن هذا الأمر لم يكن متوقعاً بالنسبة إلى القيادة السورية التي كانت مطمئنة إلى سيطرتها على الأمن الداخلي .
صباح الجمعة الماضي هز انفجار حي الميدان وسط العاصمة السورية دمشق وذكر التلفزيون السوري أن “انتحارياً” فجر نفسه قرب إشارة ضوئية، ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات، أغلبيتهم من المدنيين، وقال وزير الداخلية السوري محمد الشعار إن ضحايا الانفجار 26 قتيلاً و63 جريحاً، وهناك أشلاء لم يعرف عدد أصحابها، وأشار الوزير خلال تفقده موقع الحادث إلى أن التفجير نفذه انتحاري واستهدف قوات من الأمن وحفظ النظام والمدنيين، ويأتي انفجار الجمعة بعد أسبوعين من وقوع انفجارين استهدفا مبانيَ تابعة لجهات أمنية أوقعا 44 قتيلاً .
وفي اليوم ذاته، قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إن بعثة المراقبين العرب في سوريا “غير قادرة على أداء مهمتها”، ويوم الخميس الماضي صرح رئيس المجلس الوطني السوري المعارض د . برهان غليون، أنه يجب على المراقبين العرب إثبات وجودهم أو مغادرة سوريا، ودعا غليون، في مقابلة مع “بي بي سي”، الدول الغربية إلى تأسيس منطقة آمنة على الأراضي السورية وفرض منطقة حظر طيران أيضاً، بل إنه أعرب عن أمله في أن تتولى الأمم المتحدة مهمة جامعة الدول العربية بشأن الأزمة السورية .
ويوم الأربعاء الماضي أدان جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض أعمال العنف التي اتهم النظام السوري بممارستها ضد المتظاهرين، وقال كارني إن سوريا لم تحترم التعهدات التي حددتها بعثة مراقبي الجامعة العربية، وأضاف المتحدث الأمريكي، أن الوقت قد حان كي يتخذ المجتمع الدولي إجراءات ضد الرئيس السوري وحكومته، ويبدو أن د . غليون قد كرر ما جاء على لسان (كارني) في اليوم التالي .
ويوم الثلاثاء الماضي قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فكتوريا نولاند إن “مبعث قلقنا أن النظام السوري لم يف بكل الالتزامات التي قدمها للجامعة العربية حين قبل اقتراحها قبل نحو تسعة أسابيع، وعلى سبيل المثال لم يتوقف العنف، فهو أبعد ما يكون عن ذلك” .
أسبوع من التصعيد الميداني والتصريحات والبيانات، تشكك في نجاح مهمة المراقبين العرب وتدعو إلى تدويل الأزمة، وعلى الرغم من أن د . برهان غليون حاول أن يلطف من تصريحه بالقول إن الوضع في سوريا لا يحتاج من (الناتو) أن يتدخل كما تدخل في ليبيا، فإن هذا يعني موافقته على (تدخل ما) ل”الناتو” في سوريا، ولا سيّما وهو يطلب فرض منطقة حظر جوي على سوريا وإقامة منطقة آمنة على أراضيها، في الوقت الذي لم يستخدم النظام السوري حتى الآن الطائرات لقصف المدنيين أو المنشقين أو المسلحين، هؤلاء المسلحين الذين تنفي المعارضة وجودهم، لكن تقريراً لمراسل (سي إن إن) أكد أنه رأى المسلحين بأم عينه .
وفي إجراء يتسم بالغرابة، نقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي قوله، إنه طلب من خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن يطلب من الحكومة السورية العمل على وقف العنف في البلاد، ولا ندري كيف يمكن أن يحدث هذا!
هذا يدل على وجود جبهة مفتوحة، بشكل أو بآخر، على الحدود اللبنانية السورية، فضلاً عن الجبهات الأخرى، ومن جانب آخر، ترتفع الأصوات التي تطالب النظام السوري بوقف العنف، وسحب الجيش من المدن، أي الأماكن الساخنة، وهي تعلم علم اليقين بوجود منشقين عن الجيش السوري بأسلحتهم، ووجود مسلحين في أماكن عديدة، ولم يطرح أحد من العرب أو الأجانب مقترحاً بشأن المنشقين أو جيش سوريا الحر! ومطالباتهم تعني بطريقة غير مباشرة، تسليم السلطة للمسلحين ولجيش سوريا الحر لماذا يا ترى، ذهبت إذاً، جماعات المراقبين الممثلين للجامعة العربية وتقريرها مرفوض منذ اللحظة من فرنسا وأمريكا والمعارضة السورية؟
الدكتور غليون يطالب بحظر جوي، وهذا يعني تحليق طائرات حلف (الناتو) لتقصف الدبابات السورية، وسيمتد القصف ليشمل الثكنات ومقار الرئيس السوري والقيادة والحكومة، وسينتعش المسلحون، ويختفي المتظاهرون من الشوارع، بكل بساطة، ستتحول سوريا إلى ليبيا جديدة .
يبدو أن التدويل قادم، وأول قرار سيكون فرض حظر جوي من قبل (الناتو)، وإن لم يتم هذا، ستساعد الأطراف المناوئة للنظام السوري على نشر العنف وإضعاف النظام وسحب سيطرته على الأوضاع الأمنية، لتنتشر العصابات والمسلحون، كما هي منتشرة الآن في حمص .
إن ما لا يعلمه د . برهان، ولا تعلمه المعارضة هو أن أمريكا وفرنسا غير مستعجلتين للتدخل المباشر، فلا نفط في سوريا، وبالتالي، لا أرباح تذكر من وراء إعادة الإعمار، إذ لا أموال نفطية أيضاً، وكل ما تطمح إليه للفترة المقبلة، هو إبقاء الوضع على ما هو عليه، في انتظار ما ستسفر عنه الحرب الإعلامية بين إيران والولايات المتحدة وأوروبا والكيان الصهيوني، فإذا ما تم اتخاذ قرار بالحرب، ستظهر فوراً علاماته في الواقع السوري، إما على شكل تفجيرات، وإما مواجهات مسلحة شرسة، وقد يتم توجيه ضربة خاطفة أيضاً لقواعد حزب الله اللبناني الذي سيتضرر من إقفال الحدود السورية أيضاً، ولكن السؤال الذي يتردد كثيرون في طرحه: هل ستتخلى إيران عن سوريا وحزب الله مقابل إطلاق يدها في العراق وبعض مناطق الخليج العربي؟
الموضوع ليس معقداً كما يبدو للعيان، ولكن التصريحات الإعلامية لا تعكس بالضرورة المواقف الرسمية، وبالتالي قد يفاجأ الرأي العام بحدوث اللامتوقع وربما اللامنطقي في سياق الأحداث .
سوريا لن تعود إلى مرحلة ما قبل الاحتجاجات والانشقاقات، وعلى النظام السوري أن يدرك، أنه لا يستطيع التعايش مع هذا الوضع، وعلى المعارضة أن تدرك هذا أيضاً، وقد يتخذ النظام إجراء (علي وعلى أعدائي)، وهنا تنكشف مصداقية التصريحات والمواقف الإعلامية، ويتم الانتقال إلى المرحلة الأخرى .
الخليج