اليأس من الربيع العربي/ سلامة كيلة
حالة إحباط تطال النخب من نتائج “الربيع العربي”. هذا هو الوضع الآن، حيث يبدو أن هناك من اعتقد أنه يمكن أن نزيل نظماً حكمت عقوداً، وتمكّنت، وأسّست قوى أمنية هائلة القوة، بـ “ضربة قاضية”، ومن الجولة الأولى. وخصوصاً من دون أحزابٍ تعرف ماذا يجب أن يتحقق؟ وكيف يجب أن تسير الأمور؟ ومن دون فعل النخب تلك ذاتها، التي ظلت على الهامش تنتظر من يحقق لها الحرية والديمقراطية، فيما لا تفعل سوى “الكلام”، وتمثّل دور المراقب والحكم، في لعبة هي خارجها.
الآن، تنهال علينا هذه النخب بكم هائل من اليأس والإحباط، وتسطّر المقالات “الحزينة”، أو “المُدينة”. فقد خسرت الجولة الأولى بجدارةٍ، قلّ نظيرها، وعاشت حالة رعب من “غولٍ”، استحوذ على السلطة بعد الثورات، رعب جعلها تفقد كل قدراتها، لتعلن الاستسلام لأول دكتاتور ظهر في الميدان. فقد فوجئت بأن نتيجة الانتخابات التي تلت الثورات جاءت بالإسلاميين إلى السلطة، وهي التي مجّدتهم طويلاً كونهم باتوا “حداثيين” و”ديمقراطيين” و”معادين للإمبريالية” و”سيحررون فلسطين”. ليبدو أن كل هذا التمجيد هو الأوهام التي أنشأتها هي، لكي تتكيف مع “قوة صاعدة”، شعرتْ أنها أزالتها، بعد انهيار الحلم القومي واليساري. ثم، شعرت، بعد أن وصلت هذه القوى إلى السلطة، أنها ستبلعها، لتعيد حالة الرعب التي نشأت عن اجتثاثها التي حدثت بعد سنوات الثمانينيات. من دون أن تعلم لماذا حدث ذلك.
هذا الأمر جعلها تقلب كلّ مواقفها، ولتحوّل حالة “الفرح” التي اجتاحتها، مع أول خطوةٍ في إسقاط النظم بعد هروب زين العابدين بن علي من تونس، إلى حالة كآبة جعلتها ترى في ما جرى “مؤامرة”. وبالتالي، أن تعود إلى الحنين إلى الاستقرار والأمن والهدوء والسكينة في وضعها السابق، والذي كانت تبدو أنها ترفضه، وتريد التخلص منه، نحو تأسيس نظم ديمقراطيةٍ، تتيح لها “الكلام” من دون سجن. هنا، بالضبط باتت تفضّل الماضي على المستقبل، وتقبل إعادة إنتاج النظام القديم الذي كانت تعتقد أنها تقاتل من أجل تغييره، وفرحت حين فرضت ثورةُ الشعب ترحيلَ الرؤساء. وبالتالي، باتت تريد الاستقرار، وإنْ يتحقق في ظل دكتاتور. كما أصبحت ترى في حركات الاحتجاج “مطالب فئوية”، يجب أن تتوقف. وترى في حراك الشعب، الذي مجدته سابقاً، فوضى وتدخلات “خارجية”. لقد اصطفت مع الطبقة المسيطرة، إذن، ووافقت على اختيارها كذلك.
لقد دفنت الثورات، وبات الربيع الذي بشّرتْ به خريفاً تكيل عليه الشتائم. ولا شك في أن فهم ما جرى على أنه ربيع، ربما كان يقود إلى هذه النتيجة، حيث أن في ذلك استعارة لما حدث في بلدان أوروبا الشرقية وروسيا، حيث كانت الديمقراطية هي الضرورة. لهذا، كان “حلمها” أن تتحقق الديمقراطية فقط، وبالتحديد متجاهلة مطالب الشعب الذي صنع الثورة، ولازال مستمراً. إن وصول الإسلاميين إلى الحكم جعلها تقبل تأخير الديمقراطية عقوداً، ريثما يفرز الوضع ما يتجاوز هؤلاء، وينتج ديمقراطية “حسب المقاس”.
لكن، الأمر لا يتعلق بـ “ربيع”، بل بثورات بكل معنى الكلمة، قامت ليس انطلاقاً من الأوهام بشأن الديمقراطية، بل من حالة الجوع والتهميش التي يعيشها قطاع كبير من الشعب. لهذا، ليس من الممكن اعتبار أنها انتهت، أو يمكن أن تنتهي من دون تحقيق كل المطالب التي حرّكت الشعب. نحن في حراك مستمر، رغماً عن عنف النظم ويأس النخب، فالشعب المفقر ليس لديه ترف السكون واليأس.
العربي الجديد