اليرموك ليس البارد
معتصم حمادة
مخيم اليرموك ليس نهر البارد ولن يكون. اليرموك هو قلب فلسطين في سوريا. من يطلق النار على اليرموك يطلقها على هذا القلب. اليرموك هو العمود الفقري للفلسطينيين في سوريا. من يكسر اليرموك يشل الفلسطيني. اليرموك هو الشعب والبيت، والمدرسة، والدكان، وبسطة الدخان، وعربة الخضار، والأزقة والمكتبة والمعهد، وفنجان القهوة الصباحي، وقصص الحب السري في زوايا الأزقة المعتمة.
القضية الفلسطينية هي الشعب. مخيماتها وبلداتها وقراها ومدنها وريفها. فأي حب نطلق نحو القضية، وفي الوقت نفسه نطلق الرصاص على شعب القضية.
من كان مع فلسطين كان مع شعبها، من كان مع فلسطين كان مع اليرموك. لا فلسطين بلا اليرموك. ولا عودة لفلسطين إلا من اليرموك. من شهد الاف النازحين فجر يوم الاثنين (17/12/2012) وهم يغادرون المخيم، دفعات دفعات، في مشهد يعجز عن تشكيله أكثر المخرجين السينمائيين عبقرية (الا عباقرة الحروب الاهلية المدمرة) ادرك ان القضية الفلسطينية، وان قضية اللاجئين قد دخلتا مرحلة جديدة، صفحتها شديدة السواد.
من شهد الاف النازحين فجر يوم الاثنين، بعد حوالى أسبوعين على اعتراف المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية، تساءل عن معنى دولة بلا شعب، وعن معنى قضية بلا شعب، وعن معنى قضية اللاجئين بلا لاجئين.
تحطيم اليرموك تحطيم لأكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني. اليرموك هو القلب الذي امتدت شرايينه لتضخ الدم في شرايين باقي المخيمات. قال لي أبو الحكم، بلحيته الكثة البيضاء، والدمع في عينيه: “عندما خرجتم ادركنا ان علينا في مخيم سبينة ان نحزم الحقائب”. عندما أبى سكان اليرموك المذلة والهجرة تائهين في الشوارع، واستداروا نحو اليرموك، قَلَبَ التاريخ صفحته السوداء، فتح صفحة ذهبية، وأمسك بقلمه ليكتب فصلاً جديداً في تاريخ البقاء الفلسطيني تحت السماء، وتاريخ التراجيديا الفلسطينية في بحور الدماء.
كتب التاريخ ان اليرموك ليس نهر البارد. ولن يكون. وان دروس البارد حفرت على شواهد أضرحة الشهداء. عاد اليرموك الى الحياة. عاد السكان الى منازلهم تحت المطر. في الحفر. في برك الماء. يتحدون رصاص القناص حين حاول ان يرعبهم وان يشل خطواتهم.
عاد اليرموك الى الحياة. استعاد سكانه. فأخفى القناص بندقيته، وتخفى خلف القناع الاسود.
دعوا اليرموك يعيش.
دعوا اللاجئ الفلسطيني يعيش،
دعوا القضية الفلسطينية تعيش.
القضية هي الشعب. ولا قضية بلا شعب. ولا قضية لفلسطين سوى اليرموك. ايها اليرموك… لك الحب، كل الحب.
(من مخيم اليرموك)
النهار