انتخابات إيران: صندوق اقتراع المعجزات
صبحي حديدي
بينما يغرق “الحرس الثوري” الإيراني، أكثر فأكثر، في مستنقع القتال المباشر دفاعاً عن نظام بشار الأسد؛ تنحدر سلطات إيران الدينية ـ السياسية، ممثلة في مجلس صيانة الدستور، نحو هاوية جديدة في ترجيح كفة التيارات المحافظة المتشددة، والقضاء على آخر ما تبقى من أدوار ديمقراطية لصناديق الاقتراع.
فإلى جانب رفض أهلية ترشيح الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني للانتخابات الرئاسية، وكان الرجل محطّ آمال (ضئيلة، أصلاً) علّقها بعض أواخر الإصلاحيين؛ استُبعد، كذلك، ترشيح رحيم مشائي، رغم احتسابه على المحافظين، لأنه ببساطة صهر الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، وقد يعكّر ترشيحه صفو انتخابات أرادها المرشد الأعلى، علي خامنئي، خالية من كلّ “كدر”. لا بأس، في المقابل، أن تشهد الانتخابات أصناف أخرى من التكدير، كأنْ يعلن مرشح أنه المهدي المنتظر، وقد ظهر من غيبته الطويلة لكي “يقيم العدل” و”يقطع دابر الجور في البلاد”؛ أو أن يعد وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، اللواء محمد حسن نامي، باستخدام شبكة الإنترنت لبثّ صوت وصورة المهدي المنتظر!
هذه، بادىء ذي بدء، مظاهر إضافية تؤكد ترسّخ نفوذ تيارات المحافظين الجدد، وهي بالطبع ليست بشرى سارّة للشعب الإيراني، ولا لأيّ من شعوب المنطقة؛ لكي لا يقول المرء إنها نذير وبال كفيل بردّ البلد عشر سنوات إلى الوراء، أي إلى ما قبل رئاسة محمد خاتمي الأولى، 1997، حين لاح أنّ التيّارات الإصلاحية توشك على إحراز تقدّم. أكثر من هذا، تتبلور مفاهيم هذه التيارات حول فلسفة أقرب إلى “إصلاح معكوس”، إذا جاز القول، يرتدّ على قسط كبير مما أنجزته الثورة الإسلامية لصالح المواطن الإيراني، وكان متقدّماً بالقياس إلى العهود الشاهنشاهية.
ومن المعروف أنّ نجاد هزم منافسه رفسنجاني، في جولة ثانية بنسبة 62%، وأنّ نسبة المشاركة بلغت 60%، ممّا دلّ على أنّ الإصلاحيين قاطعوا الانتخابات عملياً. وهكذا انتقل مركز القوّة من المجموعة الدينية ـ البيروقراطية المحافظة، التي مثّلها آيات الله التلقيديون ممّن خلفوا الإمام الخميني في مختلف مراكز القرار، إلى المجموعة الدينية ـ العسكرية المتشددة كما يمثلها تحالف الجيل الثاني من آيات الله (آية الله مصباح يزدي بصفة خاصة)، والحرس الجمهوري، وأجهزة الاستخبارات المعروفة باسم الـ”باسجي”.
ومن جانب آخر، إذا كان خامنئي قد حرص على إدامة التوازن بين فريقَي المحافظين والإصلاحيين، واعتبرهما “جناحين لا بدّ منهما لكي يحلّق طائر الثورة الإسلامية”؛ فإنه انحاز منذ البدء إلى الفريق الأوّل، بل رجّح كفّة المجموعة الدينية ـ العسكرية المتشددة كما قاد صفوفها نجاد، على المجموعة الدينية ـ البيروقراطية المحافظة التي تولى رفسنجاني تمثيلها. اليوم لا تتبدل الأدوار تماماً، بقدر ما يُلحق نجاد بالفريق الذي حلّ عليه سخط الوليّ الفقيه، وآن أوان إزاحته من المشهد.
وليست بعيدة في الزمن تلك البرهة التي شهدت اندلاع تظاهرات طلابية ضخمة في شوارع طهران، تطالب باستقالة خامنئي وخاتمي معاً؛ وأن تعلن مجموعة مؤلفة من 248 شخصية إصلاحية بأنّ “وضع أشخاص في موضع السلطة المطلقة والألوهية هو هرطقة واضحة تجاه الله وتحدّ واضح لكرامة الإنسان”، في إشارة عدائية لمبدأ ولاية الفقيه، كانت النقد الأوضح والأكثر جرأة حتماً منذ انتصار الثورة الإسلامية. وفلسفة المحافظين الجدد، أياً كانت مواقعهم السياسية أو الروحية، هي انقلاب على تلك البرهة، وارتداد عن قِيَمها، وردّة إلى جاهلية كان قد بدأ الثورة عليها رجال من الطراز الذي يزعم التبرّك به، واستلهامه، معظم قادة التيارات المحافظة، قديمها وجديدها على حدّ سواء.
وذات يوم غير بعيد، أيضاً، وفي خطاب منقول على الهواء مباشرة، قال نجاد: “سألني أحدهم: هل أنت على اتصال؟ فقلت: نعم. وسألني الرجل ثانية: هل أنت حقاً على اتصال، ومع مَن؟ فأجبته: أنا على اتصال مع الله، وإذا بقينا مؤمنين فإنّ الله سوف يظهر لنا معجزاته”. ولسوف تبيّن الأيام القليلة القادمة، المتبقية على موعد الانتخابات الرئاسية، أنّ صنف المعجزات الذي ينتظره الرئيس الإيراني لن يكون أفضل حظاً من أضغاث أحلام اللواء نامي، أو مواطنه المرشح في إهاب المهدي المنتظر!
موقع 24