انتصارات المعارضة السورية تربك واشنطن/ حسين عبد الحسين
يخبرني صديق من المعارضة السورية ممن يعقدون لقاءات متكررة مع كبار المسؤولين الاميركيين المعنيين بالوضع السوري انه أثناء أحد اللقاءات، قدم المعارض تصورا حول نهاية النزاع السوري وكيفية التوصل الى حلّ، فأجابه المسؤول الأميركي بالقول: “لا تأتوني بحلول لا تكون فيها إيران وروسيا”.
والحرص الدائم على ان تكون إيران جزءا من الحل في سوريا هو ما جعل واشنطن توعز للأمانة العامة في الأمم المتحدة بتوجيه دعوة الى طهران للمشاركة في مؤتمر جنيف 2 في كانون الأول 2013، قبل ان تنسف المعارضة هذه الامكانية بالتهديد بمقاطعة المؤتمر في حال مشاركة الإيرانيين.
والتصور الأميركي للحل السوري يشبه انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية مطلع التسعينات، أي اجبار الأطراف المتنازعة على الدخول في شراكة وفي حكومة وحدة وطنية، برعاية إقليمية وإدارة واشراف نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
اليوم في سوريا، تعتقد واشنطن انه يمكن منح السنّة رئاسة حكومة ووزارات سيادية كالخارجية والمالية، وإبقاء العلويين في الرئاسة وفي مناصب أمنية، على ان تنظم إيران “الوحدة الوطنية” السورية المطلوبة في مرحلة ما بعد انهاء الصراع، وهو الحل الذي لطالما تحدث عنه الاميركيون والذي يرتكز على تسوية “بين النظام والمعارضة المعتدلة”. حتى ان النظام نفسه تنبه لهذا السيناريو وعمل على رعاية جزء من “المعارضة المعتدلة”، او الوطنية حسبما يسميها، ونجحت دول إقليمية بفرض دخول هذه المعارضة في التحالف السوري المعارض الواسع.
وطالما ان الحل السوري برعاية إيران، الحليف المنشود لواشنطن، ظل متعذرا، راحت الولايات المتحدة تختلق الاعذار، فالقوة المؤلفة من خمسة الاف معارض سوري والتي تنوي اميركا تدريبها وتجهيزها ما زالت في مراحل التحضير بعد سنة على الإعلان عنها، ودعم المعارضين السوريين بوسائل “غير فتاكة” هو مجهود أعلنت واشنطن تعليقه مرات اكثر من المرات التي أعلنت عن القيام به.
ومنذ اندلاع الثورة السورية في آذار (مارس) 2011، تمسكت واشنطن بسياسة التسويف والمماطلة: تأخرت أولا في دعوة الأسد الى “افساح” المجال امام الإصلاح، ثم وعدت ولم تف بفرض خطوط حمراء على استخدام الأسد السلاح الكيماوي، ووعدت ولم تف كذلك بتدريب وتجهيز معارضين سوريين.
حتى اللازمة التي لطالما كررها المسؤولون الاميركيون ان “الأسد لن يكون جزءا من مستقبل سوريا” فيها تلاعب على الكلام، إذ انها لا تعني خروجاً فورياً للأسد كجزء من الحل، بل تفسح المجال للرئيس السوري بالمشاركة في العملية الانتقالية، التي لا يعرف أحد كم تطول ومتى تنتهي، ان كانت ستبدأ وتنتهي أصلا.
فجأة، وسط المماطلة الأميركية واستمرار نزيف الدم السوري، بدأت المعارضة السورية المسلحة بتحقيق انتصارات متتالية وحاسمة على قوات الأسد، منذ انتزاع ادلب المدينة شمالا وبصرى الشام جنوبا ومعبر نصيب مع الأردن، ثم جسر الشغور، في وقت تظهر تطورات المعارك انهيارات في صفوف جيش الأسد والقوات المتحالفة معه.
على مدى الأسبوع الماضي، وفي ظل انتصارات المعارضة السورية، ارتبك المسؤولون الاميركيون، حسبما بدا جلياً في تصريحاتهم. قالوا انهم لطالما اعتقدوا انه لن يتمكن أي من الطرفين الحسم عسكريا. ثم أعربوا عن قلقهم من ان الانتصارات التي يحققها الثوار تأتي على ايدي مجموعات متطرفة. حتى ان الصحافيين المؤيدين للإدارة أطلوا بمقالات حول فوائد التوصل لاتفاقية مع إيران في التوصل الى حل في سوريا. وفي هذه الاثناء أوعزت واشنطن للأمم المتحدة بإعادة تحريك مبادرات وقف إطلاق النار الفوري والحديث عن عقد مؤتمر للتسوية السياسية بين النظام والمعارضة.
لا تدرك إدارة الرئيس أوباما ان الاحداث في سوريا واليمن سبقتها، وان اصدقاءها امهلوها للقيام بدور رفضت القيام به، فتحركوا من دونها.
“الاتراك والسعوديون والقطريون يحاولون تحريك الوضع في سوريا”، يقول السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد لصحيفة “واشنطن بوست”. “إذا كنا لا نريدهم ان يزيدوا من شحنات الأسلحة (الى قوات المعارضة)، فما هو الحل الذي نقدمه؟”، يتساءل الديبلوماسي السابق، ليختم بالقول: “لا يمكن ان تكون إجابة (اميركا) اننا سنقوم بقصف داعش”.
المدن