انتصار إلهي آخر؟: وائل السواح
وائل السوّاح
الهستيريا التي أصابت إعلام النظام السوري وسلوك أتباعه وأتباع حزب الله في لبنان لانتصارهما على المقاتلين السوريين الرافضين لنظام الأسد في معركة القصير لا يمكن أن تقارن إلا بالهستيريا المعاكسة التي كان يمكن أن تحدث لهم فيما لو هزمت قواتهما في تلك المعركة.
على امتداد خمسة وعشرين يوما حاصرت قوات النخبة في جيش النظام السوري ومعهم قوات النخبة في حزب الله بقيادة إيرانية وخبرة روسية بضعة مئات من مقاتلين سوريين مع من تبقى من أهالي مدينة القصير المدنيين. وعزز كل من النظام والحزب قواته عدة مرات، وحاصرا المدينة، فاختفت الذخيرة، سيطرت قوات حزب الله على محطة المياه التي تغذي القصير، ما حرم الأهالي والمقاتلين من الماء، وانعدمت المعدات الطبية والأدوية، بينما تفاقمت أعداد الجرحى الذين لم يكن ثمة من يمكنه الاهتمام بهم.
ومع ذلك، ففي كل صباح كان شبح هزيمة حزب الله ونخبة الجيش السوري تلوح في الأفق، وكان كل يوم يمر يحمل معه عار المهاجمين بسبب مقاومة المدينة المحاصرة وامتناعها على السقوط. وتدنت الصورة المعروفة لمقاتلي حزب الله الذين احتلوا بيروت في ساعات معدودة صباح يوم 7 آذار 2008، بينما عجزوا لأربعة أسابيع تقريبا عن اقتحام مدينة صغيرة بحجم حي من أحياء بيروت. وكذلك تهاوت صورة مقاتلي نخبة الرئيس الأسد الذين “تألقوا” في ارتكابهم مجازر عديدة في السابق أمام إصرار مدينة محاصرة ومهدمة على الصمود تحت نيرانهم.
وكان لا بد – من أجل تبرير التأخر في الانتصار على المدينة المجروحة – من ابتكار عدوٍّ آخر، أقوى وأمنع من أهالي المدينة ومقاتلي الجيش الحر. فابتكر النظام والحزب في البداية حكاية العربة الإسرائيلية التي سرعان ما انهارت بسبب لا معقوليتها، ثم تمَّ اختراع قصص أخرى من مثل وجود مقاتلين أجانب يقاتلون إلى جانب الجيش الحر وأهالي المدينة. ولا شكَّ أن وجود دعم خارجي يمكن أن يقوِّي المقاتلين، ويجعل منهم هدفا أصعب، وبالتالي لا يشعر حزب الله بالخزي نتيجة عجزه عن اختراق المدينة لو كان من يقاتل فيها هم ابناء البلد وحسب.
قد يكون ثمة مقاتلون أجانب في المدينة، ولكن عددهم لا يمكن أن يزيد عن حفنة من الأفراد. ولن يستطيع النظام والحزب أن يقدما دليلا ملموسا عن وجود أعداد ذات مغزى من المقاتلين في المعركة الاستثنائية.
من هنا يمكن تفهم الابتهاج الهيستيري الذي أبداه مؤيدو النظام والحزب في مدن سورية ومناطق معينة في لبنان، والذي جاء مكافئا للخوف من الهزيمة الذي لازمهم مدة الخمسة والعشرين يوما من صمود أبناء القصير. فوُّزِّعت الحلوى في شوارع الضاحية الجنوبية وبعض أحياء مدينة دمشق ومناطق سورية أخرى، وأقيمت حفلات صاخبة، واشتعلت مدن عديدة بالرصاص الحي ابتهاجا بالنصر الكبير.
هل هو نصر إلهي آخر؟ في عام 2006، أطلق حزب الله على تدمير لبنان وخسارة الحزب نحو ألف من عناصره ومؤيديه، وإجباره على التراجع من الأراضي التي كان يشن منها عملياته على إسرائيل، وإذعانه لقرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي قرر نشر قوات الحكومة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان مكان تواجد قوات حزب الله، وسحب صواريخ الحزب شمالا، وتأكيد احترام الخط الأزرق، أطلق على ذلك كله نصرا وأردف التسمية بوصف غير عادي: “إلهي.” فهل انتصار الحزب في القصير نصر إلهي آخر؟
يمكن للدعاية الإعلامية أن تحوِّل أي شيء تقريبا. فالمعركة التي دفع فيها حزب الله خيرة مقاتليه وافضل أسلحته لم تكن ضد سكان المدينة ومقاتلي الجيش السوري الحر، بل كانت ضد جماعات تكفيرية إرهابية مسلحة مدعومة من أمريكا وإسرائيل. وإذا كان العدو هو أمريكا وإسرائيل، فلا بأس من خسارة عشرات من خيرة مقاتليه الذين كانوا يُشيَّعون في القرى اللبنانية الشيعية كل يوم تقريبا، ولا بأس من أن تستمر المعركة بضعة اسابيع، وإذا ما حل النصر في النهاية فلا شك أنه نصر مؤزر ومؤيد من الله. فهل سوف نسمع قريبا توصيفا مماثلا لنصر حزب الله الإلهي عام 2006؟ لا بد أن ننتظر إطلالة جديدة للسيد حسن نصر الله، لنسمع منه كيف سيوصف النصر ويوظفه. في المقابل نتوقع إطلالة جديدة للرئيس الأسد لنسمع كيف سوف يجير الانتصار لصالح جيشه، مقللا قدر الإمكان من الدور الذي لعبه حزب الله في المعركة، محاولا التقليل من حجم الإهانة التي طالته بسبب اضطراره للاستعانة بقوات غريبة.
سيترتب على الأسد أن يبين لمواليه لماذا اضطر إلى الاستجارة بحليفه اللبناني الطائفي، وهل تمَّ تدخل حزب الله أساسا بتنسيق مع النظام السوري أم من دونه؟ وقد سربت وسائل الإعلام الموالية للأسد مؤخراً خبراً مفاده أن الأسد سوف يقوم قريباً بتوجيه خطاب تاريخي إلى الشعب السوري يتطرّق فيه إلى “أمور مفصلية،” ومنها توجيه “التهنئة إلى الجيش والشعب السوريَّيْن بالانجاز الاستراتيجي الذي تحقق في القصَيْر.” فهل نصر القصير نصر إلهي طائفي أم نصر علماني ممانع؟ سنعرف الإجابة عما قريب.
المدن