بؤس المظلومية السنّية/ حسام عيتاني
بعد امتناع الولايات المتحدة عن معاقبة نظام بشار الأسد إثر جريمة الهجوم الكيماوي في آب (أغسطس) الماضي، تصاعد خطاب المظلومية السنّية في وجه الاضطهاد اللاحق بها على أيدي الأقليات المتسلطة والتجاهل الدولي للمأساة السورية.
تطور خطاب المظلومية على مدى عقود حكم الأقلية العائلية لسورية وتحوله الى احتلال عسكري صريح بعد القضاء على تنظيم «الاخوان المسلمين» المنافس الجدّي الأخير لحافظ الأسد اوائل الثمانينات. وتعمق بعد قضاء الأجهزة الامنية على ما مثّله «حزب العمل الشيوعي» من محاولة (في رأي النظام) لفك الارتباط العضوي بين الطائفة العلوية والاقليات عموماً، وبين السلطة أي باستبعاد صفة «العلمانية» عن النظام.
مع بداية الثورة وظهور عدم رغبة الأقليات بالانخراط الواسع فيها لاعتبارات كثر الحديث عنها ومنها ما نجم عن أخطاء المعارضة، وجدت الكتلة الأكبر من الثوار، المنتمية الى الطائفة السنية، نفسها وحيدة في مواجهة آلة قتل عالية التعبئة والتدريب والاستعداد وتستند الى تحالفات داخلية وخارجية متينة توفر لها المدد البشري والمادي.
وإذا كانت سورية هي الساحة الأبرز للمظلومية السنّية، إلا انها تجد تعابير صريحة عنها في لبنان والعراق اللذين شهدا في الاعوام القليلة الماضية تهميشاً وإقصاء للسنّة اللبنانيين والعراقيين عن السلطة وعن الفضاء العام.
المهم في الأمر ان خطاب المظلومية السنية، إذا جاز التعبير، سار في اتجاه تبني موقف الضحية الكاملة، مسقطاً من متنه كل الخلفيات التاريخية وكل تفاصيل ودقائق العلاقات المضطربة بين السنّة والشيعة والعلويين والمسيحيين على امتداد عقود طويلة ماضية. فليس صحيحاً، على سبيل المثال، اخذ السنّة السوريين كتلة واحدة صماء مناهضة لنظام آل الأسد. وكما هو معروف، فلولا التحالف الذي صاغه «الأب المؤسس» مع البرجوازية الشامية والحلبية السنّية في أكثريتها الساحقة، لما تجاوز حافظ الاسد الصراع مع «الاخوان» ولما قيّد له ان ينتصر في المنافسة مع شقيقه رفعت بعد اعوام قليلة. ولولا وقوف اجزاء كبيرة من سكان المناطق الشرقية السورية (السنّية، مرة أخرى اضافة طبعاً الى رجال الاعمال الذين يمولونه حتى اليوم) مع بشار الاسد لما صمد أمام الثورة.
ولعل هذه من أوضح الثغرات في خطاب المظلومية. أما ما يتسم بقدر أكبر من الجدية والخطر، فهو تجاهل اصحاب الخطاب هذا حقيقة التنوع والتعدد السوري، العرقي والطائفي واستسلامهم الضمني الى خطاب بعثي مقلوب. يرتكز هذا على ان «الاسلام العربي» السنّي، قادر على استيعاب الجميع واعطاء كل ذي حق حقه ضمن آلية لا تختلف كثيراً عن دعوة البعث العربي الاشتراكي للكرد وغيرهم الى تجاهل حقوقهم القومية والانضواء تحت عباءة «الحزب القائد».
عليه، يستبدل خطاب المظلومية السنّية انتقاص المواطنة المفروض على فقراء السنّة من قبل النظام الطائفي الحالي، بالدعوة الى تجديد الذمية المسيحية واستئناف سيرة العلاقة المريضة السابقة مع العلويين. غني عن البيان ان دعوة كهذه (كما برزت أخيراً في وثيقة «الجبهة الاسلامية»)، لا مكان لها في عالم اليوم، وأن رفع الظلم عن شرائح واسعة من السوريين والحاقه بسوريين آخريين سيفضي الى اطالة امد الحرب الحالية وسد ما تبقى من آفاق أمام الثورة.
مفهوم أن كمية الدماء التي سفكها النظام السوري تحجب امكانية التفكير الهادئ وتبرر هدير الانتقام ورد المظالم بمثلها، بيد أن كل ذلك لا ينبغي ولا يجوز ان يتحول الى صلب مقيم في الثورة السورية التي ستخسر حينئذ روحها وضميرها.
الحياة