باطل يهزم الحق/ ميشيل كيلو
عندما لا تكون هناك معايير دقيقة للخطأ والصواب، ولا يكون الفاعلون السياسيون على درجة مقبولة من الوعي والمعرفة، يربح الرأي العام من يسبق غيره إلى تقديم أكاذيبه كحقائق، مثلما فعل النظام السوري الذي كرر، بإصرار وخلال وقت طويل، أكذوبة تزعم أن القائمين بالثورة إرهابيون، ويكونون أكثر تعبيراً عنها بقدر ما يكونون أكثر إرهاباً.
وقد صدّق كثيرون في العالم العربي هذه الأكذوبة. ومثلهم فعل رأي عام عالمي واسع، أيقن بوجود تماه بين الثورة والإرهاب، فاصطف وراء الأسد، وفاضل بينه كحاكم علماني، وإن كان عنيفاً وقاسياً، وبين أبو بكر البغدادي، خليفة القتلة المذهبيين الذين يبزون أي نظام في عنفهم وإجرامهم، ويهددون العالم المتحضر، وخصوصاً القسم المسيحي منه، بينما يقاتلهم النظام ويرد تهديدهم عنه، فما الضير إن هو استخدم العنف ضدهم، إن كان هدفه الدفاع عن الإنسانية والحضارة… والعلمانية؟
سبقنا النظام إلى الكذب، فشوه حراكنا ومقاصدنا، وأوهم العالم بأننا إرهابيون، خصوصاً بعد أن بادر الذين غزوا بلادنا من هؤلاء إلى تقديم أدلة مقنعة على صدق أقواله، تجسدت في رؤوس ضحاياهم المقطوعة، والتي كانت، في معظمها، رؤوس ديمقراطيين وعلمانيين ومقاتلين في الجيش السوري الحر، ولم يكن بينها رؤوس ضباطه وجنوده، لأن سكاكين “داعش” لم تصل إلى أعناقهم، إلا بعد انفكاك عرى تحالفها مع الأسد، بعد انتهاء مهمتهما المشتركة: القضاء على الجيش الحر والمقاومة، وطردهما من المناطق التي سبق لهما أن حرراها وبسطا سلطتهما عليها.
في العقل الساذج، ينتصر صاحب الحق لمجرد أنه صاحب حق. أما في واقع الدنيا، فينتصر من يخدم قضيته بطرق فعالة، حتى إن كانت قضية فاسدة، ومن يقنع الآخرين ببراءته وإن كان مجرماً، ويسهب في الحديث عن النزاهة، مهما كان فاسداً، ويستميت لإيهام مستمعيه أنه أحد الشرفاء، وينجح في اتهام غيره بالتخلي عن الأمانة والصدق، ويلصق صفاته الحقيقية، الوضيعة، بهم، وينزه نفسه عنها.
هذا، بالضبط، ما فعله النظام، حين لاحظ خوف العالم من الإرهاب، فغطى عنفه واستبداده ضد الإنسان الذي تجعله حريته حامل العلمانية، من خلال عزو الإرهاب إلى الثورة ومساواتها به، وحجب إرهابه عن العالم، بإبراز فظاعات الإرهابيين التي انصبت جميعها على الثورة وأنصار الحرية، على أعدائه، لكنها لم تواجه أي رد منظم، أو جدي من ممثلي المعارضة الذين لم يعيروا خطورة المسألة ما تستحقه من اهتمام، مع أن من كانوا يزورون منهم الدول الأجنبية، وخصوصاً منها الغربية، كانوا يلمسون المدى الذي بلغته صدقية الكذب الأسدي، سواء من خلال أسئلة الإعلام التي كانت توجه إليهم، أم من خلال حواراتهم مع أصدقائهم وخصومهم، والتي تركز معظمها على التماهي المزعوم بين الثورة والإرهاب، بل وألمح بعضها إلى كونهم، هم أنفسهم، إرهابيين.
لم تأبه المعارضة السورية لما يجري من تحولات في الرأي العام العالمي، ومن تراجع في تعاطفه حيال الثورة. ولم تلاحظ ابتعاد قطاعات واسعة منه عنها، وتزايد إدانته لها، بصفتها بيئة إرهاب ذبح ضحاياه على شاشات التلفاز، على مرأى ومشهد من العالم، بمن في ذلك بعض أشد المتعاطفين مع الشعب السوري من مواطني أوروبا وأميركا الذين هبوا لمساعدته.
ليس كسب العالم مستحيلاً، إن لاحظنا أن هناك رأياً عاماً عالمياً له دور في تقرير سياسات بلدانه، وإننا نحتاج إلى تعاطفه، وأدركنا أن الحق لا ينتصر إن لم يخدمه أصحابه، وإنه يهزم أمام باطل أعدائه.