بدكن حرية ‘خدوا هاللبطة’: السوريون يبتسمون ويموتون امام الكاميرا!
خطيب بدلة
كل شيء عند السوريين غير شكل،.. السوريون لديهم حضارة، وجَمال، ومحبة، وصمود، وتصدي، وممانعة، وفكاهة، وخفة ظل، و.. يا سيدي، حتى ثورتُهم غير شكل!..
رأى السوريون، رأيَ العين، عبر الفضائيات، طائرةَ زين العابدين بن علي وهي تحط في مطار جدة، بعد أيام قليلة على بدء ثورة التونسيين عليه، وشاهدوا، في بث مباشر، حسني مبارك ممتطياً سرير الاحتضار في طريقه إلى المحكمة، (وكأنه محمول على بساط الريح!).. واندهشوا بمشاهدة الأخ القائد معمر القذافي وهو يُسحب من جوف المجرور، بعد كل ما مضى له من عز، وخدم وحشم، وحليب نوق، وأزياء غريبة، وشعر طويل مصبوغ، ونهر عظيم، ولجان شعبية، وجماهيرية عظمى… وغابت، كذلك، عن أعين السوريين، فجأة، خطابات علي عبد الله صالح النارية، وترغلاته العذبة وهو ينصح المواطن اليمني بأن (يسلك سلوكاً حضارياً، ويلجأ إلى صندوق الاقتراع)..
هذا كله، والثورات العربية كلها انتهت (وشُطِّبت).. وما يزال (السوريون) مبتسمين للكاميرا، وتُطلق عليهم النيران أمام الكاميرا، ويتجمعون في المنافي على هيئة لاجئين، وترصدهم الكاميرا، ويساقون إلى السجون والمعتقلات، بعلم الكاميرا، والرجال العتاة من أعضاء اللجان الشعبية (الذين كانوا يُعرفون- سابقاً- باسم الشبيحةً) ما زالوا يعجقون بأبواطهم العسكرية، في بؤرة الكاميرا، فوق بطونهم، مع صيحات الاستنكار، والاستحقار، والاشمئزاز، والازدراء، والاستحمار، تقول لهم: بدكن حريـ يـ يـ يـ يـ يـ يـ يـ ـة؟؟!! خود، يا أخو ال…، هذه الرفسة، كرمى للحرية!!.. بدكن ديمقراطية؟ خود هذه اللبطة، على البيعة، كرمى للديمقراطية!.. وهكذا دواليك، وهلمجراً.
نريد رئيساً من العائلة الكريمة
الفضائيات العربية، إذن، والفضائيات الأعجمية الناطقة بالعربية، لم تكتف، منذ ستة عشر شهراً، بنقل أخبار (السوريين) المصورة، بل تجاوزت هذا الحد بأن أعدت فواصل إعلانية (سلوغونات) خاصة بثورة السوريين، ومآسي السوريين، وأنين السوريين، حتى إن قناة (A.N.N) التي وضع فيها رجلُ الأعمال السوري الناجح الدكتور رفعت الأسد شقاء عمره، وتحويشة حياته، تخصص قسماً كبيراً من برامجها لدعم انتفاضة السوريين، وقد توج السيد ريبال الأسد، نجل الدكتور رفعت الأسد، هذا التوجهَ النبيل، بإبداء خوفه على سورية الحبيبة من الانزلاق إلى حرب أهلية لا تُبقي ولا تذر، وقال: إن الشعب السوري سينتصر، في المحصلة، و(نحن) مستعدون لقيادة سورية في المرحلة القادمة.
لم يوضح السيد رئبال من هو المقصود بـقوله: (نحن).. ولكن (السوريين) سرعان ما تلقفوا التصريح وجلسوا يقلبونه على وجهه المختلفة، فقالوا إن السيد الدكتور رفعت هو الأَوْلى بـ (قيادة) سورية، لأن لقبه القديم الذي لا يمكنهم نسيانه هو (القائد)، هذا من جهة، ومن جهة ثانية هو كبير القوم، والمثل يقول (من ليس له كبير فليشترِ كبيراً).. ولكنهم، مع ذلك، استبعدوه لأنه قد بلغ من العمر عتياً (75 سنة)، أضف إلى ذلك أنه قال، في آخر تصريح متلفز له، إنه، لا يعرف مدينة حماه، ولا يعرف، بالضبط، أين يقع سجن تدمر.. وبالتالي فهم يفضلون السيد رئبال، لسببين، الأول أنه شاب، والرئيس الشاب- كما هو معلوم- غير شكل، والثاني أنهم لا يرغبون برئيس عنده نقص في الثقافة الجغرافية، كالقائد رفعت الأسد.
مرحى لأعضاء البرلمان الجديد
تأكد (السوريون)، بأنفسهم، ومن دون مساعدة من أحد، أن مجلس الشعب الذي تم (تعيين) أعضائه على ضوء حزمة الإصلاحات القوية التي ضخها النظام السوري في الأسواق بعد بدء الأزمة (الجنائية) التي تمر بها البلاد منذ أواسط آذار مارس 2011، لمختلفٌ، اختلافاً جذرياً، عن مجالس الشعب المتلاحقة التي (عُيِّنَ) أعضاؤها منذ فجر الحركة التصحيحية التي انطلقت في العام 1970، وحتى ساعة إعداد هذه المقالة.
فحينما خطب فيهم (رئيسُهم) بشار الأسد خطبته الأخيرة يوم 3 / 6 / 2012 ظهر واضحاً أنهم أناس عاقلون، ومهذبون، ومربون في بيوت أهاليهم تربية حسنة، واكتفوا بالتصفيق الحاد، دون أن يبادر أحد منهم إلى إلقاء بضعة أبيات من الزجل، أو إلقاء شدّيَّات، أو عدّيَّات، أو قراديَّات، مثلما كان يفعلُ الأعضاءُ (المعينون) بصفة أعضاء في مجالس الشعب السابقة، ولم يُقسم أحدهم للرئيس، بحضرة الله تعالى، على أنه يصلح لأن يكون رئيساً للعالم، على غرار ما قاله صاحبُ محطة المحروقات الذي (عينوه) عضواً في مجلس الشعب السابق، وحينما عاد إلى بلدته وجد محطته قد أحرقت بالكامل، من قِبَل عصابة إجرامية مسلحة، وحينما سألهم عن سبب تلك الفعلة الشنيعة قالوا له: أحرقنا محطتك لأنه قليل عليك أن تكون مجرد صاحب محطة محروقات في بلدة صغيرة، أنت يجب أن تكون رئيس منظمة الأوبك!
لم يقل الأعضاء لرئيسهم ذلك، لأنه أعلن، في الخطاب نفسه، أنه لم يعد رئيساً لكل السوريين، وإنما لبعضهم فقط.
لن يستطيع الإرهابيون كتم صوت الحقيقة
في جلسة لاحقة لمجلس الشعب السوري، أبدى الأعضاءُ (المعينون) حديثاً بصفة أعضاء استنكارهم، واشمئزازهم، وامتعاضهم، واستياءهم، واشمئناطهم، واحتقارهم للعمل الإرهابي الجبان الذي استهدف مقر الإخبارية السورية، وأثبتوا، للقاصي والداني، أنهم قوم متحابُّون، متعاضدون، متلاحمون، متفقون بالرأي إلى حد التطابق التام، بدليل أنهم أكدوا، من دون استثناء، على أن هذا العمل الجبان يهدف إلى كتم صوت (الحقيقة)، فقد عُرف عن هذه الفضائية حساسيتها المفرطة تجاه (الحقيقة)، فإذا أحس معدو البرامج فيها، أن خبراً ما، أو معلومة ما، أو نبذة ما، تشوبُ (الحقيقةَ) فيها شائبة لا تزيد عن مثال ذرة، سرعان ما يتخلى عن الخبر برمته، أو المعلومة برمتها، أو النبذة برمتها، إكراماً لعين (الحقيقة)!
مجلس الإدانات المستدامة
الجلسة المذكورة أعلاه ذَكَّرَتْنا نحن (السوريين) باليوم الأخير من سنة 2005، حينما اجتمع مجلس الشعب السوري، بحضور كل الأشخاص (المُعَيَّنين) فيه بصفة أعضاء، بقيادة الرفيق المناضل عبد القادر قدورة، وأبدوا استنكارهم، واشمئزازهم، وامتعاضهم، واستياءهم، واشمئناطهم، واحتقارهم للسلوك البغيض الذي بدر عن نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، الذي استغفل الشعب السوري (ويا غافل لك الله) وذهب إلى قناة العربية (وقد أطلق عليها الأعضاء يومئذ اسم: العبرية) ليبث سمومه وأحقاده ضد نظام الممانعة الذي شارك في تأسيسه وصناعته وبنائه لمدة خمس وثلاثين سنة من النوع (العجاف).
في تلك الجلسة الرهيبة، وكانت الآراء موحدة فيها (كالعادة)، وقف نقيب المحامين السوري ليلقي على مرآنا ومسمعنا نحن (السوريين) قنبلة صوتية، صعقتنا صعقاً، وهي أن مجلس النقابة، قد قرر، بالإجماع، فصلَ المتخاذل، المنشق، التحريفي، الخائن عبد الحليم خدام من عضوية نقابة المحامين!!.. (فعرفنا، للمرة الأولى في حياتنا، أن الرفيق عبد الحليم خدام كان عضواً في نقابة المحامين!!! مثلما عرفنا، يوم توفي الرفيق أحمد أبو موسى رئيس منظمة الطلائع، أنه عضو في اتحاد الكتاب العرب!!!)
وهب وزير العدل السابق، الأستاذ شعبان شاهين، ليعلن على الملأ، وعلى الهواء مباشرة، أن ملفات الفساد الخاصة بـ(خدام) موجودة لديه منذ سنين طويلة، بالحفظ والصون!
(ملاحظة: لم يذكر الأستاذ شعبان شاهين، لنا، نحن السوريين، الأسبابَ التي جعلته ينام على تلك الملفات، طيلة تلك السنين، ولا يصارحنا بها.. ولكننا خمنَّا أنه لم يعلنها- ربما- لأن (خدام) كان مناضلاً شرساً ضد الاستعمار والإمبريالية، ومعادياً بشكل خاص للخونة من جماعة ‘المحتمع المدني’، وأنه ليس من اللباقة، ولا من الكياسة، ولا من حسن التصرف، أن يقوم المناضلون بـ(شرشحة) بعضهم البعض، أمام اللي يسوى، واللي ما يسواش!
كاتب سوري ما يزال يقيم في سورية
القدس العربي