بدكن ديموقراطية؟ أعطيهن ديموقراطية: عرس مليء بالجنازات/ غازي دحمان
تريدون ديموقراطية، خذوا ديموقراطية، هكذا يرد بشار الأسد على الثورة السورية، بعد ثلاثة أعوام من اشتعالها. ولا يكاد الرجل يشكو من قلة الحيلة، ولا يظهر عجزاً تجاه أي ميدان، تقتضي الظروف التوجه إليه. فهو في الميدان العسكري يبدو احترافيا ماهرا في استخدام كل الأسلحة ضد أعدائه، من الرصاصة إلى البرميل المتفجر، وما بعدهما من صواريخ بعيدة المدى وأسلحة كيماوية. وفي السياسة، يبدو الرجل متقنا لآليات اللعبة ومتمكنا من أدواتها، بدل المنافس خذوا اثنين، وبدل القضاة والمراقبين المحليين ثمة مراقبون من أكثر من دولة. صحيح ان دول أولئك المراقبين لم تعرف يوما ممارسة ديموقراطية، إلا أن ذلك لن ينفي صفة المراقبين عن مندوبيها، كما ان التقارير التي ستقيم تلك الانتخابات لن تغفل عن هذه الواقعة!
تريدون ديموقراطية؟ السؤال هنا موجه للعالم الخارجي، الذي يراقب ويطالب ممثلو دوله بوجود نظام سياسي، متأسس على ركائز دستورية، وضامن لممارسة عملية سياسية متكاملة، يمكن من خلالها إدارة الصراعات المجتمعية وضبطها، وليس مهما هنا طبيعة القواعد الدستورية وطريقة صياغتها، والظروف التي أحاطت عمليات تشريعها وإقرارها. في النهاية، الدساتير ومضامينها قضايا سيادية بحتة ليس من مهمة الآخرين، ولا من اختصاصهم التدخل بها، كل ما هو مهم هو الشكل العام للعملية الديموقراطية، من صناديق اقتراع ومراقبين وعمليات فرز ووجود متنافسين، ألم يحصل ذلك وسمّوه عرساً ديمقراطياً!.
من نافلة القول أن ديموقراطية بشار الأسد ليست سوى وسيلة لمواصلة الحرب على السوريين، بل أكثر من ذلك، هي أداة بيد الأطراف الإقليمية والدولية المشغلة له في الساحة السورية، وذلك بهدف استكمال مشروعها في المنطقة، والذي لم يعد خافياً على احد. تلك الأطراف تريد إعادة تزخيم أوراقها في مواجهاتها الدولية المستعرة، عبر التذرع بدستورية انتخاب بشار الأسد، وموافقتها لقواعد القانون الدولي. وبالتالي، فإنها تستطيع تحت هذه الذريعة الاستمرار في دعمه، او بلغة أدق، الاستمرار في السير بمشاريعها في المنطقة، بالاعتماد على ركيزة شرعية، وهي إرادة الشعب السوري. وبالتالي، فإن دعمها الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي يصبح دعماً موجهاً لدولة حليفة، وشعب شقيق، على ما درجت الخطابات السياسية الإيرانية ترداده.
عديدة هي الوقائع التي تشير إلى تبعية بشار الأسد لمشغّلين خارجيين، غير أن تلك الوقائع باتت من الماضي، فإعادة تنصيبه حاكما على سوريا بالتدليس والتزوير فرضت تغييراً جديداً في موقعه ضمن منظومة التبعية تلك، فهو حتى يصار الى تثبيت كرسيه في الحكم تطلب الأمر نزولا ميدانيا كامل العتاد والإمكانيات لحلفائه على الأرض، وتطلب كذلك إعادة صياغة النطاقات العسكرية الداخلية وتنظيمها ضمن إطار أوسع، وإعادة تنظيم غرفة العمليات بحيث أصبح العنصر السوري في إطارها هامشيا، حتى على مستوى تنفيذ الأوامر، فمستوى صناعة القرار جرت مصادرته منذ مدة، حتى ضمن مستويات إدارية، ذات علاقة بأمور تصريف شؤون البلاد، حصل ذلك منذ أن صار الحلفاء يتكفلون مصاريف تسيير حكومة بشار الأسد.
تريدون ديموقراطية؟، إذا هذا السؤال لم يعد حتى سؤال نظام الأسد للغرب، بات بالجزم سؤال مشغلي هذا النظام، وباعتقاد هؤلاء أن تلفيق عملية الاقتراع يعني إعطاءهم تفويضا صريحا وعلنيا لممارسة عمليات القتل وتقرير مصير سوريا وفق الشكل الذي يرتأونه، وبرنامج حكم هكذا رئيس جاهز ومعد سلفاً: «محاربة الإرهاب»، الذي يمثل إشكالية عالمية، وإعادة الاستقرار والأمن لسوريا، التي يشكل أمنها جزءا من استقرار المنطقة، التي تنطوي على مصالح عالمية كبيرة.
وليس في الأمر إشكالية بنظر هؤلاء، طالما أن الغرب مهووس بالشكل أكثر من المضمون، وما دامت حتى الديموقراطيات الغربية قد أوصلت إلى المناصب الحساسة في بلادها متطرفين وراديكاليين، فهل يجرؤ أحد على محاسبة الناخب الغربي والتشكيك بخياراته؟ ولما يحق للغربي ما لا يحق للسوري! تريدون ديموقراطية؟ أليست تلك ديموقراطية؟ هي ديموقراطية وأكثر ، درس يتوجب على الغرب تعلمه، ذلك أن النظام جعلها عرساً مليئا بالجنازات!
لا شك أن تلك الديموقراطية الهابطة على سوريا، بمظلات روسية وإيرانية، ما كان من الممكن إنجازها، لو أن الأسد ومشغلوه لمسوا لغة جدية وغير مائعة من قبل دول العالم، المسؤولة عن الأمن والسلم العالميين، ولو أنهم شعروا أن ثمة رأياً عاماً عالمياً على مستوى الشعوب يميل إلى التخلص من عار الكارثة السورية التي تلطم ضمائرهم صبحاً ومساءً، وهم على استعداد لأن يقنعوا بأي شكل من أشكال الحلول تسكّن عار سكوتهم الفاضح. لكن الواقع أن الأسد ومشغليه، أصحاب الديموقراطيات المغشوشة، لن يستطيعوا تمرير هذا الوهم على السوريين، ولن يستطيعوا تقديم المسكّنات لبعض العالم، الممزق بين وجع الضمير وصراخ الحقيقة العالي. بل الواقع يقول أنهم حتى لن يستطيعوا إيجاد المخارج اللائقة لأزمتهم. كل ما يفعلوه هو زيادة الغرق في وحل أخطائهم. إرادة القتال عند الثوار وتصميمهم على النصر هي من يخبر بذلك. جواب السوريين إشبع بديموقراطيتك. سوريا بدها حرية».
المستقبل