براميل الأسد ومدفعية المالكي/ د. مثنى عبدالله
يبدو أن المعادلة التي فرضها موقع العراق في خارطة الهلال الخصيب كمركز ثقل وعمق استراتيجي، وكذلك موقع سوريا التي تتخذ مركز القلب فيه، جعلت من هذين القطرين وحدة واحدة لا يمكن أن ينفصلا، الى الحد الذي تشابهت فيهما حتى المأساة. ففي الوقت الذي تندثر فيه المدن السورية بفعل المئات من البراميل المتفجرة التي تلقيها السلطة الحاكمة، وتدفن تحت أنقاضها الاف الاجساد البريئة من أطفال وشيوخ ونساء، في ظل سياسة تجويع هدفها إركاع شعبنا. يتناغم هذا الفعل مع فعل آخر يساويه في المقدار ويتماثل معــــه في نفس درجة الوحشية والبشاعة على الطرف الاخر من الحدود الفاصـــــلة بين البلدين، حيث محافظة الانبار التي تشكل ثلث مساحة العراق والتي تواجه أبشــــع قصف بالمدفعية والصواريخ المنطلقة من الطائرات المسيرة وغير المسيرة، وحصارا شاملا على مدى أكثر من خمسين يوما، حتى باتت مدنها بصورة عامة، والفلوجة بصورة خاصة، أيقونات تشهد على بشاعة وهمجية السلطات الحاكمة، كما هو حاصل في حلب وحمص وغيرهما من المدن السورية.
حتى التهمة التي يتستر خلفها النظامان لتنفيذ عملياتهما الوحشية هي نفسها في العراق وسوريا. فحجة الارهاب والقاعدة وداعش والمقاتلين الاجانب باتت تتردد على السنة كل المسؤولين في القطرين، وكأن أهالي حمص وحلب والانبار وغيرها باتوا يحملون صفات وراثية تكفيرية وداعشية، ولا بد من القضاء عليهم كي لا ينتشر هذا الوباء الى غيرهم.
واذا كان لا أحد يستطيع نفي وجود القاعدة وداعش في هذه المدن وغيرها، بدليل بياناتهم المعلنة وعملياتهم المصورة وزعاماتهم الذين يصرحون، فانه أيضا لا أحد يستطيع أن يبرر عمليات القتل الجماعي للابرياء بكل هذه الآلة الحربية المتطورة، تحت شعار مقاتلة الارهاب، لان وجوده مرتبط بعجز وفشل وظلم الحاكم وأجهزته التي يفترض أن توفر الحماية للشعب وتصون البلاد، وأن المسؤولية القانونية والشرعية والاخلاقية تقع على عاتق كل من يتولى الخدمة العامة ولا يصونها. أين هي الاجهزة الامنية والاستخباراتية والشرطية والجيش وحرس الحدود، عندما تعلن المستشارة السياسية لرئيس الوزراء العراقي عبر الفضائيات عن دخول نصف مليون مقاتل من داعش في الانبار؟ وأين المليارات التي صرفت على هذه الاجهزة كي تصبح قادرة على حماية الانسان في العراق؟
ألا يتحمل القائد العام للقوات المسلحة المسؤولية عن ذلك؟ وبما أنها مسؤوليته فهل يحق له أن يوعز لقواته بقصف المدن الاهلة بالسكان والمدارس والجوامع والمستشفيات كي يخرج القاعدة منها كما يدعي، بينما يقتل الابرياء وتهدم الدور وتتعطل الحياة؟
نعم القاعدة موجودة ليس في العراق وسوريا فحسب، بل في دول كبرى وصغرى شرقية وغربية ونفذت علمليات كبرى على أراضيها، لكن لم تقم أي من حكومات تلك الدول بقصف مواطنيها بالبراميل المتفجرة والمدفعية الثقيلة وصواريخ الطائرات، بل خاضت حروبا استخباراتية ضد القاعدة في كل خارطة العالم من أقصاه الى أقصاه كي تحمي مواطنيها، ولتؤكد على مسؤوليتها القانونية والاخلاقية تجاه شعوبها، حتى التسليح العاجل الذي تبنته الولايات المتحدة الامريكية للقوات العراقية وصفقات الطائرات والصواريخ والمدربين العسكريين، لم يكن لحفظ أمن العراقيين ولمصلحتهم الوطنية وصيانة أمن وطنهم، بل لحفظ أمن المواطن الامريكي والمصلحة الامريكية العليا، وكي لا يتكرر ما حصل في الحادي عشر من سبتمبر/ايلول مرة أخرى أو أقل منه، وهو نفس الفعل الذي تفعله روسيا في سوريا كي تحفظ مصالحها العليا وتمنع انتقال النشاط المسلح الى أراضيها.
لكن الاجحاف كل الاجحاف في أن يختصر البعض ما يجري في سوريا والعراق بمشهد واحد يقال انه بفعل القاعدة وداعش، والجُرم كل الجُرم في ما تدعيه السلطات في كلا القطرين، من أن هذه المناطق قد خُطفت من قبل الارهاب، فتتصرف تصرف العاجز بتدمـــــيرها بالخاطفين والمخطوفين فيها. انه تقزيم للصورة الحقيقية وللوضع القائم، والغاء متعمد لكل المظالم والاجتثاث والاقصاء الذي طال المواطنين لاسباب بعضها طائفية، لان القاعدة وداعـــش عناصر مسلحة تؤمن بالعنف وسيلة لتحقيق الاهداف، بينما بدأ الحــراك في الحالتين العراقية والسورية سلميا وبمطالب واضحة لرفع الظلم، لكن السطات هي التي خوّنت الحراك واستهزأت به ووصفته بأبشع الصفات، حيث وصفهم المالكي بأنهم فقاعة نتنة وأتباع يزيد وأن جيشه جيش الحسين لابد أن يسحقهم.
ان تعميق جراح المواطنين الابرياء من دون مبرر وتعريض أمنهم الى الخطر وتهديم ممتلكاتهم واستباحة دمائهم وتهجيرهم، يعزز شعورهم بالظلم والغربة في وطنهم ويحفر خنادق عميقة بينهم وبين السلطات، لا تردم بزيارة تحت جنح الخفاء كما فعلها المالكي الى الانبار نهاية الاسبوع المنصرم. كما أن الوعود بصرف المبالغ المالية لاعمار المناطق في ظل سلطة فاسدة لن تحقق أي أعمار في أكثر المناطق أمنا، يبقى مجرد حبر على ورق ووسيلة لامتصاص النقمة الشعبية التي باتت شاخصة في الانبار. قد يكون الدافع للزيارة انتخابياً محضاً، لكن هل يتصور رئيس الوزراء أنه سيجد موطئ قدم له في مناطق سبقت زيارته لها بساعات قصف وحشي شمل حتى المستشفى العام في الفلوجة؟ هل كان الجرحى من الكادر الطبي من الهنود والبنغال مقاتلين من القاعدة وداعش أيضا؟ وهل كانت المستشفى معسكرا لهم كي تقصف وتهدم صالة العمليات والعناية المركزة فيها؟ انه دليل آخر على همجية السلطة وقواتها التي لا تميز بين البريء وغيره، وبين الدور السكنية والمستشفيات ودور العبادة ومواقع المسلحين.
واذا كان يظن عندما حطت طائرته العسكرية على أرض الانبار بأنه قادر على اقناع ثلاثمئة الف مُهجّر بانه الزعيم الوطني الذي عليهم انتخابه فهو واهم، لانه بات خصما لكل أهل الانبار الشرفاء، وضعيفا في عيونهم الى الحد الذي لا يستطيع أن يقدم حلا لازمات البلد كله. لقد تصور بانهم ضعفاء فسلط عليهم قوته العسكرية كي يجبرهم على الخضوع، لكنه فشل فشلا ذريعا وبات هو وقياداته العسكرية رهائن لارادة أهل الانبار الذين لن يستكينوا الا بعد أن يحصلوا على حقوقهم العادلة. لقد قالها سابقا بأنه قادر على فض الموضوع بساعات قليلة، ثم حلم بأنه قادر على ذلك بأيام، وها هي الايام تمضي الى أكثر من شهر ولا يستطيع الحسم رغم المعونات العاجلة الامريكية والاقليمية، ومعونة الخونة المحليين. نعم يتصور الطغاة أن القوة هي السبيل الوحيد في أخضاع الشعوب، لكن الحقيقة أنهم يشترون بها أياما قليلة تبقيهم على كراسي السلطة لكنها لن تبقيهم الى الابد، لان ذلك مرهون بوطنيتهم وحرصهم على شعوبهم وأمن أوطانهم.
‘ باحث سياسي عراقي
القدس العربي