بشار الأسد سيرحل… عاجلاً أو آجلاً
دنيس روس
دنيس روس، المستشار الخاص لوزراة الخارجية الاميركية في عهد أوباما (حتى حزيران 2009)، ومن ثم المستشار في البيت الابيض (حتى تشرين الثاني من العام الماضي)، هو من أقدم الديبلوماسيين الاميركيين تعاطيا بقضايا الشرق الاوسط. هو الآن يعمل في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الاوسط” الذي كان واحدا من مؤسسيه، والمعروف بتقرّبة من اسرائيل؛ ولكنه لم يتوقف عن تقديم الاستشارات لإدارة اوباما. هذا الديبلوماسي الرفيع، المنتسب للحزب الديموقراطي، تعاون ايضا مع ادارة رونالد ريغان وجورج بوش الاب، قبل ان يصبح مندوبا خاصا للرئيس بيل كلينتون الى الشرق الاوسط. صحيفة “لوموند” الفرنسية حاورته (18 آذار 2012) بالاشتراك مع صحيفة “فايننانشال تايمز دوتش لاند” الألمانية. هنا مقتطفات من الحوار:
– هل نحن مقبلون على ضربات عسكرية ضد ايران، ان لم يكن هذه السنة، فعلى الاقل خلال العامين المقبلين؟
– على الأرجح نحن مقبلون… اذا لم تتخلّ ايران عن السلاح النووي. المرشد الاعلى للدولة الايرانية أعلن بأن امتلاك سلاح نووي هو من الآثام، من الخطايا الكبرى. يبقى ان نفهم هدف هذه التصريحات… والسؤال المحوري هو معرفة ما هو التهديد الأكبر لنظامه: تقديم التنازلات الى الغرب، أم مواجهة ضغوطه، التي تزيد من خطر مواجهتة الغرب؟ فاذا قرر المرشد بأن التهديد الاخير محفوف بمخاطر أشدّ، سوف يبقي مجالا للديبلوماسية. الامر يتوقف على قرار الايرانيين.
– كم من الوقت بقي ليشعر الاسرائيليون بأنهم ملزمون بتوجيه ضربات عسكرية ضد ايران؟
– لا اعلم. كل من ادعى انه يعلم، يضحك عليك وعلى نفسه. فاذا جرت المفاوضات خلال الاشهر المقبلة كما حصلت في الماضي، فان احتمال اللجوء الى القوة سيزداد بصورة دراماتيكية. اما اذا ظهر خلال الاشهر المقبلة بأن للايرانيين مقاربة مختلفة بالعمق عن مقارباتهم السابقة، حينئذ سوف يكون بوسعنا تجميد التحضيرات القتالية واخذ الوقت الكافي لمناقشات جدية حول المسائل الاساسية. ولكننا نحتاج ايضا الى شيء آخر… الى اقتراحات مثلا. اذا كان ما يريده الايرانيون هو النووي المدني، فسوف يكون هناك مخرج ديبلوماسي.
– اذا تعرضت ايران لضربات اسرائيلية، فما هي الأعمال الإنتقامية التي تنتظرونها؟ وهل اذا اندلع صراع سوف يكون طويلا؟
– هنا ايضا علينا التحلّي بالتواضع وعدم ادعاء معرفة ما نجهله. ولكنني لا اعتقد بأن الايرانيين يريدون مواجهة مع الاميركيين. فاذا هوجموا، سوف يردون بالطبع، والا بدوا كنمور من ورق. سوف تكون لديهم بالطبع رغبة بأن يردّ “حزب الله” على اسرائيل. ولكن ما لفتني في الآونة الاخيرة ما قاله مسؤول ايراني منذ بضعة اسابيع بأن “حزب الله” مدين كثيرا لايران، فاذا كنت تعتقد بأن “حزب الله” سوف يقوم بكل ما تطلبه منه، فانت لا تحتاج الى الاعلان عن ذلك امام الملأ. جواب حسن نصر الله كان: نعم، نحن مدينون للايرانيين بالكثير، ولكننا نتخذ قرارنا بأنفسنا. ما من شك بأن “حزب الله” سوف يقوم بشيء ما. ولكن السؤال هو ان كان سيستخدم كل ما يملك من الاسلحة التي بحوزته، أخذا بالاعتبار الشكوك المحيطة بمصير بشار الاسد الآن. اذا كنت عضوا في “حزب الله” عليك ان تتساءل الى اي حدّ يمكن لك التورّط في حرب. فبشار الاسد سيرحل عاجلا ام آجلا، ما يطرح مشكلات اعادة التسلح لدى الحزب. واذا كنت غير متأكد من اعادة التسلح، لا يمكن لك ان تكون متأكدا مئة بالمئة من قدراتك العسكرية. هل يريد “حزب الله” ان يضع نفسه في وضعية الضعيف؟ (…)
– لما كل هذا الحذر حيال سوريا من قبل ادارة اوباما؟ بعد رواندا وسربرنيكا وليبيا، أليس من مسؤولية الاسرة الدولية، بل من واجبها، التدخل في سوريا؟
– منذ البداية اعتبرت ادارة اوباما ان سوريا تختلف عن ليبيا. لا يوجد حولها الاجماع الدولي نفسه، والنظام السوري يمتلك قدرات عسكرية اكبر. ولكن هذا لا يلغي الحاجة الى خيارات بديلة. اعتقد بأنه علينا التفكير بجدية في خيار الممرات الانسانية والمناطق المعزولة. علينا التفكير ايضا بمساعدة المعارضة ماديا: ليس فقط انسانيا، انما ايضا بتزويدها بوسائل الاتصال ومعدات تشوش على اتصالات قوات النظام. بشار الاسد لم يعد الا زعيما فئويا. من المهم ايضا ايجاد وسائل اتصال بالعلويين بواسطة جيران سوريا خصوصا، بغية تمرير رسالة اليهم مفادها انه لا ثارت ضدهم في حال سقوط الاسد.
– ما رأيك بالفكرة القائلة بتوسيط روسيا في الازمة؟
– علينا ان نكون منفتحين على الروس. لا اراهم كوسطاء، انما كقادة المرحلة الانتقالية للسلطة في سوريا. لهذا الدور اهمية خاصة، لأن الاسد اقنع من حوله بأنه نال تطمينا روسيا بعدم حصول تدخل خارجي. واذا فقد فجأة هذا التطمين الروسي، سوف تتغير موازين القوة داخل سوريا. لذلك فمن المهم ان يتابع العرب ضغطهم على روسيا. سبق لوزراء الخارجية العرب ان قالوا لسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي: يمكنك ان تدعم الاسد ولكن لن نحتقظ بعلاقتنا بك، لا يمكن لك الحصول على الاثنين معا. الاسد سيرحل عاجلا ام آجلا. ولن تكون لخليفته علاقات مع روسيا التي حمت نظاما يقتل مواطنيه.
– تتكلم عن ممرات انسانية او مناطق معزولة في سوريا، ولكن البنتاغون يرفض هذه الفكرة…
– انا لا اقول بأننا سنقوم بذلك بين ليلة وضحاها، ولكن علينا اعداد انفسنا. ليس فقط من اجل سوريا، انما ايضا من اجل المنطقة بأسرها. علينا ايجاد الطرق لتسريع رحيل الاسد. هذا مع العلم بأن الاسد ليس القذافي. هو ليس من النوع الذي سينتقل الى الحياة السرية لمواصلة معركته. هو وزوجته هم بالاحرى اناس يحبّون الحياة الرغيدة… (…)
– باراك اوباما، هل يمكن ان يقوم بأفضل مما قام به من اجل السلام في الشرق الاوسط اذا أُعيد انتخابه؟
– لا يهم استعداد الاميركيين للسلام. الاطراف التي هي على الارض هي التي يجب ان تكون مستعدة له. السلام لن يفرض من الخارج. في ايار الماضي، عندما عرض اوباما مبادئه في ما يتعلق بالاراضي العائدة الى العام 1967، لم يتغير شيء (…).
– الجواب الغربي على الربيع العربي، هل كان كافيا؟ لما لم يُقترح مشروع مارشال حقيقي على العرب؟
– لن تجد الامكانيات المادية لمشروع مارشال، لا في اوروبا ولا في الولايات المتحدة. الربيع العربي يمثل تغيرا عميقا، ولكنه ليس سوى بداية حكاية ستحتاج الى عقود لتُكتب، وربما اكثر. ونحن لسنا مؤلفي هذه الحكاية. ولكن يبقى ان الرهان مهم بالنسبة لنا. لن يكون هناك مشروع مارشال، ولكن يمكن ايجاد نوع من الشراكة بين القطاعين العام والخاص. الحكومات يمكنها ان تعطي ضمانات تدفع القطاع الخاص الى الالتزام. وما هو ايجابي جدا، هو ان الناس في الشرق الاوسط لم تعد تنظر الى نفسها كرعايا، بل كمواطنين. وبصفتهم مواطنين لهم حقوق ومتطلبات وقدرة على محاسبة حكامهم.
المستقبل