بشار والمنفى….
علي حماده
قد يكون الاقتراح الذي أدلى به الرئيس التونسي الجديد المنصف المرزوقي قبل يومين بايجاد حل سلمي للازمة في سوريا تقضي بأن يتنحى بشار الاسد عن منصبه، على ان يتم تأمين اللجوء له ولعائلته ولمن يرغب ربما الى روسيا الاتحادية او روسيا البيضاء – قد يكون الاقتراح جيدا وعلى بشار الاسد والعائلة والبطانة ان يلتقطوا الفرص الاخيرة المتبقية للخروج من البلاد احياء. فالحق يقال ان لا مستقبل لآل الاسد على ارض سوريا بعد مرور اربعة عقود على اقامة جمهورية حافظ الاسد” التي وصفها ذات يوم اول الشهداء كمال جنبلاط بـ”السجن العربي الكبير”. لا مستقبل لآل الاسد لأن الفرص الذهبية التي منحت للابن منذ ان اورثه ابوه البلاد لا تعد ولا تحصى، وقد جرى تفويتها كلها واحدة بعد الاخرى بطريقة غريبة. فبدءا من لبنان عندما خاض بشار في خريف 2004 حرب التمديد للرئيس السابق اميل لحود ضد كل اللبنانيين، حتى ضد أقرب الحلفاء، ثم تورط في مسلسل الاغتيالات : خسر بشار الاسد لبنان وصارت العلاقة معه عبئا على الحلفاء قبل الخصوم. ومع اننا اخطأنا يوم جزمنا مع وصول نيكولا ساركوزي الى الرئاسة في فرنسا خلفا لجاك شيراك بأنه سوف ينطلق في مقاربته للعلاقة مع النظام في سوريا ولنظرته الى بشار الاسد من حيث انتهى سلفه، بمعنى انه سيكمل المنهج المتصلب ازاءه، فقد تبين بعد عامين ان ساركوزي الذي فتح للاسد الابن ابواب اوروبا على مصراعيها عاد ليتبنى الموقف الاكثر تصلبا وتطرفا ضد بشار، وخصوصا عندما اكتشف وحشية النظام في التعامل مع المواطنين السوريين العزّل.
بدّد بشار الاسد فرصا ذهبية مع العرب. كان ذلك في بداية عهده حيث اعتبر رئيسا واعدا، ثم بنهاية 2009 عندما انطلق العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بمصالحات عربية، فتح ابواب التعاون والتنسيق مع بشار الاسد في العراق ولبنان، فخانه الاخير في الانتخابات العراقية وناصر الايرانيين فجيء بنوري المالكي رئيسا للوزراء بعدما كان الوعد ان يكون اياد علاوي من يتبوأ المنصب. اما في لبنان مكان ما سمي مشروع “السين – سين” الذي اضطر بموجبه سعد الحريري ان يزور قاتل والده في دمشق ويصافحه، ثم ينام في أحد اجنحة “قصر الشعب ” الذي بناه رفيق الحريري واهداه لحافظ الاسد في التسعينات من القرن الماضي اي قبل ان يقتلوه.
لقد قيل الكثير في بشار الاسد، وفي سيكولوجيا “ضياع المُلك”، وقيل الكثير في سيكولوجيا البديل التي عانى بسببها ردحا من الزمن: اختير بديلا من اخيه باسل، وثم رئيسا بديلا برحيل والده. في المرة الاولى قارنوه بباسل، وفي المرة الثانية بحافظ الاسد! عام 2000 ورث سوريا ولبنان معا، وفي 2005 اخرجته دماء رفيق الحريري من بلاد الارز. اما اليوم فإنه يهم بالخروج من سوريا نفسها، ولسوف يخرج منها.
ان اقتراح المرزوقي معتدل ومعقول، وان من غير الجائز حرمان الشعب السوري الحق في ملاحقة قتلة الاطفال اينما حلّوا.
النهار