بصرى الشام تعوّض حنجرة “القاشوش”/ نذير رضا
ليس جديداً عن المعارضين السوريين استخدام الأغنية، أو أحد أنواعها، في برومو دعائي. لكن انحسار هذا الجانب، لصالح الصورة العسكرية، في الفترات الأخيرة، أبعَدَ محفزات شعبية للثورة، تعيدها الى بيئتها الأولى، المكان الأصلي الذي انطلقت منه، بعد ذهابها كثيراً في العسكرة والأسلمة والتشدد.
والبيئة، مصدر إلهام الثورة في العادة. محفزاتها، رجال مسلحون، ومقاتلون يدافعون عن الأرض. تنتج هذه البيئة المقاتلين، محملين بتراث شعبي غنائي، هو أكثر ما برز في حوران، منذ أكثر من مئة عام. ويستعيد اليوم المقاتلون السوريون في تلك المنطقة هذا الجانب، عبر “برومو” دعائي، للمعركة الدائرة في مدينة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، عبر المزاوجة بين الشعر المحكي المحلي الجاهز للغناء، وأصوات المدفع.
غابت تلك المشهدية منذ وقت طويل عن فيديوهات المعارضين السوريين. بعد اقتلاع حنجرة القاشوش، بات الصوت الوحيد الذي يُسمع، هو أزيز الرصاص والإنفجارات، أو تأوهات المتشددين في أناشيدهم. اليوم تعود الأغنية الحماسية السورية التراثية، في سلسلة مقاطع فيديو، بينها ما يرثي، أو ينعي، أو يستعيد بطولات شخصيات من المعارضين، ومسيرتهم القتالية… أو ما يحفز على القتال، معلناً، بالصوت، إنتماء المعركة الى الأرض، تلك التي أنبتت الثوار في زمن مضى، وتمضي، مدافعة عما تبقى من هيبتها.
النقاش حول المعركة في بصرى الشام، أهميتها، نوعها، دورها، معانيها، والمفردات المواكبة لها، تبقى في إطار المعالجة السياسية. لها سياقها الخاص… غير أن الصورة التي ترافقها، ترويجاً وتحميساً، تستحق التوقف عندها، إذ تمتاز بجمالية فُقدت من فيديوهات الثورة، منذ أن أرخى المتشددون عليها الطابع الديني..وربما تعيد تلك الصورة التي برزت في مقطع فيديو قصير، جانباً ضائعاً من مسار الحراك، الى أبناء الأرض غير المتأسلمين والمتشددين.
بصوت جهوري، يبدأ مقاتل يعتمر كوفية وبندقية، ويجلس الى جانب ثلاثة مقاتلين، سرد أبيات جميلة بلا موسيقى. “الحرب عنا رجالها.. والخيل من خيالها… “.. “حِنّا لها.. حِنّا لها (نحن لها)”. بلهجة أهل حوران، وعبارات تمّت استعارتها من الموروث الشعبي للحرب، يستعيد المشهد العسكري للمنطقة، علماً أن حوران، عاشت فترات متقطعة من الحروب، تكررت كل مدة، منذ مطلع القرن الماضي، بدأت من قتال العثمانيين، ثم الفرنسيين، وصولاً الى الإسرائيليين، وجولات قتال عشائرية شارك فيها البدو.
وعلى وقع الحدث، ذهب المقاتل الى التخصيص. يكمل في مقطع آخر: “هذه بصر.. للي ما يعرف نار وجمر… / يا عين حرة ابشري… أبشري لا تدمعي… لا تركعي ما دام في نار، وسيوفنا منسلّة”. التخصيص هنا، جزء من معركة تدفع المعارضة لها بهدف السيطرة على آخر المدن الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية بريف درعا الشرقي. ترافقه موسيقى الرصاص وصوت اطلاق الصواريخ، ومشهديات من قلب المعركة، تزيد الحماسة عبر إبراز اسلحة متطورة، وكثافة نيران هائلة.
درعا اليوم، تعيد المشهد الدعائي الى بداياته العسكرية. الأغنية جزء من الترويج التحفيزي.. فيما يعمل الشعراء والفنانون على خط مواز، تمثل بإصدار بيان تناول “محاولة النظام زج أبناء السويداء في مواجهة أبناء درعا”، وذلك بعد اشتعال المعارك بين الجيش السوري الحر وقوات النظام مدعومة بميليشيات طائفية في مدينة بصرى الشام المجاورة لمحافظة السويداء جنوب البلاد.
وجاء في البيان: “انطلاقاً من حرص أهالي سهل حوران على وحدة مصير كل السوريين في كل شبر من مساحة الوطن، فإن إرادة أبنائه اجتمعت لتقول لكم يا أهلنا في السويداء بأن هناك رغبة لدى النظام والاحتلال الإيراني بأن يزجوا بأبنائكم في مواجهة شباب حوران الثائر الذي يقدم أجلَّ التضحيات لتحرير الأرض، ونؤكد أن الثوار إذ يقومون بعمل وطني هدفه طرد الميليشيات من مدينة بصرى والقرى التابعة لها فإن ذلك يأتي ضمن سياق الهدف العام للثورة التي تدافع عن حياة الناس وكرامتهم وحريتهم دون أجندة أو أيديولوجيا”.
ومن الموقعين على البيان أسماء معروفة منها: الفنانون عبد الحكيم قطيفان وفارس الحلو وجلال الطويل ونوار بلبل، والممثلات يارا صبري ومي سكاف وعزة البحرة، والكاتب حازم نهار، والكاتبة ريما فليحان وعدد من الأكاديميين…
المدن