بعض من الأسئلة الثورية، في الإنتفاضة الشعبية الثورية/ عزيز تبسي
تسيدت الحوارات والنقاشات، التي تكون الإنتفاضات الشعبية العربية موضوعها ومادتها المعرفية، بعد أن دخلت الإنتفاضة الشعبية الثورية السورية في حتمية عسكرية، فرضت صيغتها الكفاحية وآليات إستقطابها وأدواتها التعبوية وجغرافيتها، نحو إقتراح عناصر من الإحتمالية التاريخية التجريبية، من مثل: ماهي المآلات المتوقعة فيما لو إنطلقت الإنتفاضة الشعبية المصرية من أطراف المجتمع من الصعيد مثلاً أو من سيناء؟ وماذا لو لم تستجب المنظمات النقابية والأحزاب السياسية في تونس، لنداءات مظلومية المنتفضين في سيدي بوزيد، وتكسر عزلتها الجغرافية الريفية، وتفتحها نحو المدن الكبرى والعاصمة؟ وماذا عن الدور المرجح للجيش، القوة الأكثر مركزية وتنظيماً للبورجوازية الحاكمة، في الصراعات السياسية، وفاعليته لكسر الإستعصاء الكفاحي المرحلي للشعب ومنظماته السياسية والنقابية، في إنحياز بعض وحداته أو كلها لها؟ أيمكن التثبت في الموقع اللجوج وإستعجال نتائج، تغيير شعبي ثوري مكتمل، قد يستغرق عقد أو أكثر من الزمن التاريخي، وقد يستبدل العديد من قياداته ومقارباتهم السياسية وإنحيازاتهم الطبقية، ويجترح إستراتيجية وخطط مرحلية بديلة؟ وهل بالضرورة أن تصل كل إنتفاضة شعبية إلى أهدافها التي إنطلقت منها، وتأسس كفاحها البطولي عليها، كتعبير عن مسار خطي عن حركة التاريخ، تلك الحركة الممتلئة بمقابر الإنتفاضات الشعبية، وتتجاهل عناصر أساسية للإنتصار: البرنامج الثوري/الأدوات التنظيمية الحاملة له/الخطة الثورية المؤسسة على المعاينات الدقيقة للقوى الفاعلة وإمكاناتها وإحتمالاتها ؟ ولماذا يجري التهرب المعرفي والإجرائي من حقائق ووقائع تقييم ما حصل من نتائج في الإنتفاضات الشعبية العربية، هل يمكن إعتبارها قد دخلت بوابة الثورة وبرنامجها وإجراءاتها، أم مازالت تراوح في الأفق التسووي، ألا ينم ذلك عن تجاهل لإمكانيات البورجوازيات الحاكمة وحلفاؤها الإقليميين والدوليين، وأنهم ما يزالون يملكون مبادرات سياسية وقدرات كبيرة للمناورة والإلتفاف على الحركات الشعبية الثورية لتفتيتها وإشغالها وإرباك مسيرتها كمقدمة لخنقها، ويعكس في الطرف المقابل ضعف القوى الثورية وتشتتها غياب برامجها ؟ وهل مازال يُراهن لدور ثوري على الإسلام السياسي كتيار بورجوازي يأخذ من تأويلات محددة للإسلام ،هي الأكثر رجعية وظلامية، أداة أيديولوجية للإستقطاب والتعبئة الشعبية، معقل الثورة المضادة وقلعتها الراسخة، رغم العديد من المناوشات التي تحصل بينه وبين الجناح الآخر من البورجوازية، الموصوف زوراً وخديعة بالعلماني والمدني؟ وماذا عن التجاهل المتعمد للمقاربة الطبقية للإنتفاضات الشعبية، وتبيان الأثر العميق للسياسات الإقتصادية لليبرالية الجديدة في البطالة والتهميش والإفقار المطلق للفئات الشعبية، وكأنما الفعل الشعبي الثوري، تولّد عن سلسلة متصلة من ردود الفعل على ممارسات سلطوية مستمرة،وكأنه لابديل يتبناه المعرضون عن تلك السياسات الإقتصادية.. وماذا عن شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” الذي بات يعبر عن مهمة غامضة، ويزداد غموضها وإرتباكها بمقاربة أنصار التغيير من الصحافيين وناشطو/ات المواقع الإلكترونية لها، فتارة تتحدث عن الرئاسة، وتارة عن الطائفة وتارة عن غير الملوثة أياديهم بدم الشعب، ويضاف أحياناً أمواله، أو، مهمة مستحيلة في أفضل مقاربة له، فإسقاط النظام الرأسمالي التبعي ،لا يكون إلا بجهوزية القوى الثورية المتحدة، لتحقيق الإنتقال الثوري الحاسم نحو الثورة الإشتراكية الناجزة، وهي من المهمات التي تفوق قدرات الإنتفاضات شعبية في أطراف النظام الرأسمالي العالمي، أو، بإجتراح خطط ثورية للتطور التدرجي البعيد المدى، أساسه المادي التصنيع والتحديث الجذريين وتحقق نتائجهما بالتحرر التدرجي من التبعية الإقتصادية للإمبريالية، وركنه السياسي-الحقوقي يتوضع على الديموقراطية القاعدية والعلمنة التامة والمواطنة… وهل يمكن أن تنتج العسكرة بعد هيمنتها على الكفاح الشعبي وإقصائها الموضوعي للأشكال الكفاحية التي سبقتها، وتوضعها في الأرياف المهمشة ذات سمات طائفية محددة، بمفاعيل إحتكارية الرأسمالية الطفيلية، نمطاً من الديموقراطية، أم حالة من التقاسم للسلطة بين أمراء الحرب وحلفاؤهم الإقليميين والدوليين المسكوت عنهم والمتواطئ معهم من المعارضة التقليدية؟ وألم تساهم العسكرة في تثبيت مواقع المعارضة التقليدية كأمر واقع في وظائف إفتراضية لوزارة الخارجية والإعلام، على عكس ما جرى ويجري في مصر وتونس من نقلات واسعة تحققها المعارضات الثورية الجديدة، وتمكنها من العزل الجزئي لهذه المعارضة الكسيحة وحصارها وإحراجها بمقولاتها المبتذلة ومقارباتها القاصرة؟ وماذا حين يغدو مهمة إسقاط النظام غاية في ذاتها، يمكن أن تزول من أمامها كل الأهداف الثورية ويطاح بها، وإعتماد كل الوسائل الكفيلة لتحقيقها، والخضوع لتحالفات سياسية ومساومات مستمرة، العربية والإقليمية والدولية التي تفيد هذه الغاية، وتخرج عن أسباب الإنتفاضة الشعبية. لماذا عجزت العسكرة في الثورات العربية الفلسطينية1970 واللبنانية-الفلسطينية1975 والعراقية1991والجزائر 1991واليمنية-الحوثية وأخواتها2005 وما بعدها من إسقاط الأنظمة المراد إسقاطها….وما أهمية دور الجغرافية السياسية كعامل رجعي ومعيق للتحرر الشعبي الثوري في المنطقة العربية؟ ألم تتحكم في آليات التغيير في مجتمعات المشرق العربي، جملة من المقاربات التي يتوضح كل يوم تباينها عن تلك التي في المغرب العربي، منها: -الوجود الصلب للكيان الصهيوني ووظائفه الإمبريالية… -تواجد أكبر إحتياطي بترولي عالمي.. -الإستئصال الدوري للأحزاب والنقابات وأثار عجزهما عل تثبيت العفوية وتداعياتها.. – الغياب المطلق للحريات العامة، في رسوخ العفوية والعجز الحاسم عن تجاوزها… – القدرات المباحة للبورجوازية لتوظيف الإستقطاب الطائفي-القومي في تفتيت الحركات الشعبية وإعاقة توحدها وتطورها ووصولها إلى أهدافها.. – العجز التاريخي عند القوى السياسية عن إنتاج تصور بديل عن الأنظمة البورجوازية. ألم تنبئنا الحالة العراقية1991 وما بعدها من سنوات الحصار والكفاح الشعبي، أن ثقل المظلومية والتضحيات لايسقط الأنظمة الرجعية، وكأن هذه الأنظمة لا تسقط بإرادة شعوبها، لا لأنها لم تصعد بهذه الإرادة فحسب، بل لكونها صنيعة جملة تاريخية معقدة، تداخل المصالح الإمبريالية وأدواتها المحلية و ما بات يسمى التقاسم الدولي لحدائق العالم ومزارعه وممتلكاته الثاوية تحت قشرة هذه العقارات الوطنية، وقدرات حاضرة على الدوام لتفعيل أقلياته وأغلبياته وما بينهما، والدور المتعاظم للإسلام السياسي، الذي يأخذ الكفاح الشعبي الثوري إلى مواقع ليست له. ألا يطرح هذا كله وسواه، ضرورة العمل المثابر الجسور، لمعاينة الوقائع وسيرورتها، وحافزاً لإنتاج خطط ثورية تشكل بدائل موضوعية عن المأزق الذي وضعت به المعارضات التقليدية الحالة الثورية الراهنة؟ عزيز تبسي حلب تموز2013
خاص – صفحات سورية –