صفحات الثقافة

درب الأطفال الى السماء/ سناء الجاك

وحدة المسار والمصير التي لطالما اغتالت أسس الكيان اللبناني، أرست جسراً متيناً بين أرواح الاطفال التي زهقت، من الرويس إلى طرابلس فإلى الغوطة الشرقية. أهمية هذا الجسر ليست في تبيان وحدة المعاناة، بل في أن النظام الاسدي لا يمكن ان يسمح للبنان بأن ينأى بنفسه وبأطفاله عما يحدث في سوريا. لفرط عدالته الشيطانية يسعى وفق حسابات دقيقة الى توزيع ديموغرافي لجرائمه التي لن تنتهي إلا بانتهائه.

واذا كان النظام الأسدي قادراً على زهق أرواح الأطفال في غوطة دمشق التي تبلغ مساحتها أكثر من عشرة آلاف كيلومتر مربع، فما الذي تستطيعه المربّعات الصغيرة في بلدٍ، تكاد كل مساحته توازي الغوطة، ويسهل اختراق زواريبه وتفخيخها حتى تشتعل المنطقة، كما هدد ويهدد هذا النظام كلما ضاقت سبل بقائه على قيد الحياة.

ربما تظهر الأيام المقبلة أن اليد المجرمة هي ذاتها التي ارتكبت كل هذه الجرائم، وإن اختلفت القفازات. فقتلة الاطفال من طينة واحدة، حتى عندما تختلف التسميات. ربما تبتلع التطورات الموضوعة على نار حامية ما حصل هنا وهناك، لتصبح الاجساد الهشة التي لم تحتمل كل هذا الكم من الاسلحة الكيميائية والمواد المتفجرة، ذكرى ودعوة الى إضاءة شمعة لا تجد من يلبيها.

واذا كنا لا نعرف هوية هؤلاء القتلة حتى تاريخه، أو قد لا نعرف، ونحن نتابع التطورات التي تتسارع بين القوى العالمية والاقليمية في شأن الصراع الدامي في سوريا، او ونحن نتابع حياتنا اليومية ونحسب اننا بمنأى عن الجرائم التي تحصل على بعد كيلومترات من منازلنا، يبقى أن فريق الملائكة المولج استقبال أرواح الأطفال يشعر بالعجز لأن أفراده لا يملكون ما يبرر سبب التضحية بهم على مذابح الإجرام المتنقل بين البلدين المحكومين بوحدة المسار والمصير في تزامن مريب.

من يمكنه تصور اللغة التي تفسّر في السماء سبب فظائع يرتكبها من يستخدم اسم الله ليدلل على أن حزبه “هم الغالبون”، أو يرتكبها من يدّعي نصرته او الجهاد باسمه، ليمارس القتل غير الرحيم في حق هذه الارواح البريئة.

لن تكون مهمة الملائكة سهلة، فالاطفال الذين انتقلوا الى عهدتها سيبقون أطفالاً خالدين، لن يشبّوا ويشيبوا، وستبقى اسئلتهم على حالها. ولن تتشوّه بعد اليوم أفكارهم بالاستماع الى من يروّج للقتل والتفرقة باسم الدين عبر وسائل الاعلام، وينفث سمومه متاجراً بدماء من دعاهم السيد المسيح إليه لأن لمثلهم ملكوت السماء.

خوف الملائكة على زوار السماء سيزداد اذا سمعوا والد طفلة قتيلة يصرخ بلوعة: قومي يا بنتي دخيل الله. فهي لن تقوم، بل ستخالف للمرة الاولى رغبة والدها. سيكون صعباً إسكات وجع محمد وبهاء وآمنة عبوس، الذين قضوا حرقاً وهم ينتظرون داخل سيارة أحد أقربائهم، في حين تنتظرهم والدتهم التي لا تزال تلملم جراح قلبها بفقدانها زوجها قبل نحو الشهر.

فهذا الدرب المفتوح الى الموت بغزارة لمن كان يفترض أن يعيشوا ويكبروا علّهم ينقذون الأرض من ارتكابات آبائهم، قد يمر على الأرض وإن ليس مرور الكرام. لكن ماذا عن السماء؟

ربما لمثل هذا الموت انطفأت النجوم وليس بسبب التلوث. فلا تلوث أشنع من شعارات الممانعة والجهاد الأكبر وما الى ذلك من اجتهادات تبرر الجرائم وتفتح جحيمها على استمراء الدم واقامة الافراح والليالي الملاح في مواقع الجريمة بحجة الصمود والتصدي.

ربما لا تملك الملائكة خطب الاستنكار، او تعجز عن التنديد والشجب والغضب وما الى ذلك من وسائل آدمية تساعد على استيعاب الصدمات. أو ربما هي غاضبة أكثر مما نتصور لعلمها أن درب الأطفال الى السماء ليست واسعة بالقدر الكافي لاستيعاب هذا العدد من الأرواح دفعة واحدة.

لعل الرسالة بدأت تصل الى بشار، وقد كتب في طياتها: احذر غضب الملائكة. ترجمة الغضب لناظريها قريبة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى