بلح الشام وعنب اليمن
محمد الحمادي
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” قبل يومين تقريراً مثيراً حول ما يحدث في المنطقة العربية من ثورات وتغيرات، قالت فيه: مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية من العراق يتبين أن “الربيع العربي” الذي يحمل تسمية مضللة يضع العراق في إطار آخر. فقد تبين أن نهاية الاستبداد في المنطقة لن تحدث بشكل سلمي لأن قوة الشعوب غير مجدية، على عكس أوروبا الوسطى وآسيا، وأن هذا “الربيع العربي” يجعل غزو العراق يبدو وجيهاً وضرورياً أكثر، مما كان يبدو عليه قبل عام، وقبل مرور عام آخر يجد السوريون أنفسهم يتمنون أن الأمر قد حدث عندهم.
ومثل هذه الأفكار أصبحنا نسمعها خلال الشهرين الماضيين من بعض المحللين وبعض المسؤولين الحكوميين في بعض الدول العربية، فلا تزال شريحة ليست بسيطة من المراقبين متشككة في أن ما يحدث هو “ربيع عربي” والبعض لا يريد أن يصدر حكمه على ما يحدث إلا بعد الانتهاء من عملية التغيير بشكل كامل.
وما جعل هذه الفئة تزداد عدداً مع مرور الأيام هو تعثر التغيير بعد انتهاء “الثورة” في مصر وفي تونس، ورغم مرور أشهر طويلة على زوال تلك الأنظمة إلا أن الحراك السياسي يبدو بطيئاً وغير واضح، كما يبدو أن التغيير لا يسير في الطريق الذي كان يفترض أن يسير فيه، وكذلك تبين أن المشكلات المتراكمة في تلك الدول تحتاج إلى زمن طويل حتى يتم حلها، وأن الموجودين في السلطة عاجزون عن قيادة تلك الدول إلى بر الأمان في الوقت المطلوب.
تلك أمور يؤخذ فيها ويرد والنقاش فيها مفتوح وسيبقى قائماً ما دامت الأوضاع لم تستقر… أما كلام “واشنطن بوست” فأقل ما يقال عنه إنه كلمة حق يراد بها باطل. فالانحياز إلى الحل الذي حدث في العراق وهو التغيير بقوة السلاح وبالتدخل العسكري المباشر، وأنه الأنسب لعلاج مشكلات المنطقة العربية، فما هو إلا تسطيح للقضية واستخفاف بالمنطقة وشعوبها، والجزم بأن ما حدث في أوروبا الوسطى وآسيا من تغيير شعبي وسلمي لا يمكن أن يتكرر في المنطقة العربية هو تضليل واضح، ولو قيل هذا الكلام قبل 2011 لفكر فيه الناس واختلفوا واتفقوا أما أن يقال اليوم، وبعد كل تلك الأحداث ومئات وربما آلاف القتلى في دول الربيع العربي فيبدو كلاماً فيه كثير من الانحياز ومجانبة الحقيقة! لا يخفى على أحد أن الأوضاع في الدول العربية معقدة أكثر بكثير من الأوضاع في دول أوروبا الوسطي وآسيا والتدخلات الإقليمية والدولية في أحداث المنطقة لا تتوقف، لذا لا يكون القرار فقط بيد الشعب الذي من الواضح أنه مصر على إنجاز ما يريده مهما طال الزمن، ومهما راح من الضحايا.
وواحدة من عقبات التغيير في سوريا واليمن هو المجتمع الدولي، وكذلك الموقف الأميركي المتردد تجاه هذين البلدين، ففي الحالة التونسية والمصرية لاحظ العالم كيف أن الولايات المتحدة كانت واضحة ومباشرة في خطابها مع بن علي ومبارك، أما في الحالة السورية واليمنية فقد كان ترددها سيد الموقف!
إن الترويج للتدخلات العسكرية لا يبدو فكرة سليمة، وإذا أرادت الولايات المتحدة أن تتأكد من ذلك فما عليها إلا أن تراجع حساباتها في العراق، وستكتشف أن خسائرها كانت أكبر بكثير من أرباحها، بل وحتى خسائر العراقيين كانت أكبر من توقعاتهم ولا تقدر بثمن، وبعد كل تلك السنوات لا يزال العراق غير مستقر.
لا شك أن المشهد العربي الحالي يبدو أكثر سوريالية وغموضاً من السابق فالربيع العربي يراوح مكانه وثمار تلك الثورات لا تكاد تقطف، والصعوبات تزداد في تلك الدول.
القذافي هارب ولا أحد يعرف مكانه وبن علي هارب والكل يعرف مكانه، ومبارك في السجن، أما صالح فيستمر في وعوده التي لا تصدق، والأسد مصر على العيش في أحلام الإصلاح.
عشرات الفرص والحلول قدمت لصالح والتف عليها جميعاً، وناور إزاء الكل، شعبه في الداخل وأصدقاؤه في الخارج والمجتمع الدولي بأسره. فبعدد أنواع العنب اليمني التي تزيد على 40 نوعاً، حصل صالح على فرص وأعطي من الحلول الكثير، لكنه لم يستفد منها.
وفي المقابل فإن الشعب السوري والمجتمع الدولي لم يريا إصلاحات النظام السوري، فهذه تشبه بلح الشام الذي لم يعد موجوداً، لذلك ربما ينطبق عليهم المثل العربي الشهير: “لا طال عنب اليمن ولا بلح الشام”، فهي الخيبة في كلتا الحالتين!
وأخيراً لابد أن نتساءل: هل صحيح أن تساقط أحجار الدمينو توقف بعد ليبيا وبعد ما ستسفر عنه الأوضاع في اليمن وسوريا لينتهي الربيع العربي على التغييرات في الدول الخمس هذه؟ وهل هناك تغييرات جديدة في المنطقة تحملها أجندة عام 2011؟ وهل سيكتفي هذا العام بما حمله من مفاجآت من العيار الثقيل، أم أن ما بقي فيه من أيام يحمل ما يجعل المحللين مجرد متفرجين؟!
الإتحاد