بيان انسحاب من المجلس الوطني
خلدون النبواني
لم أكن يوماً طالب سُلطة أو شهرة أو مال أو حتى مجد يأتي على حساب ولو ضحكة طفل بريء أو رجلٍ فقير أو إنسانٍ مظاوم. لستُ ملاكاً، بل أحمل في داخلي ملامح الإنسان بخيرها وشرها، ولكن توقي للحرية يتعارض رأسياً مع ما يحصل مع ما طمحتُ إليه عند دخولي للمجلس كشكل من أشكال تحمل المسؤولية لمثقف طالما حلم بالتمرد على هذا النظام الأسديّ الذي كشف أنه الأسوأ في العصر الحديث بما يمكن مقارنته بنظام هتلر النازيّ…
كنتُ متحمساً في البداية ظناً مني أن الثورة السورية ستكون كنظيرتها المصرية أو التونسية سريعة وحاسمة في إسقاط رموز النطام، ولكنها للأسف أخذت هذا المنحى التراجيدي الذي نعرفه كلنا. لا أستطيع الآن تقييم انخراطي في المجلس مع أنني أميل إلى نقده بشدة واعتباره خطأً كبيراً فأنا كنتُ ولا زلتُ وأتمنى أن أبقى على مسافة ثقافيّة نقديّة من السياسة المُباشرة…
لم أتلقَ أي مساعدة مالية بوصفي عضواً في المجلس، بل على العكس تطلبت مني المسؤزلية تجاه الثورة جهداً مادياً شخصياً وإن كان متواضعاً (على قديّ) في كثير من الأحيان.
يعود سبب انساحابي من المجلس الوطني إلى إحساسي بوصوله إلى طريق مسدود وتعارضه المباشر مع طموحاتي في الحرية والتحرر والمدنية وحقوق الإنسان والمرأة التي تخنقها توجهات الأخوان المسلمين المسيطرة على المجلس.
انسحابي من المجلس لا يعني انسحاباً من السياسة بالمطلق، ولكنه انسحاب من الانخراط السياسيّ المباشر واكتفائي من السياسة بمهة النقد والتفكيك الفلسفيّ بهدف التصحيح والتجاوز كمثقف حالم لا يريد سوى سورية مدنية حرّة للجميع، دولة حقوق وقانون، دولة ثروة متكافئة ومساواة على أساس المواطنة يتحرر فيها المجتمع من ربقة الدولة المُستبدة وتتحرر فيها مناهج التعليم من الإيديولوجيا المضادة للعلم والثقافة وتتحرر فيها المرأة من دكتاتورية الرجل التي لا يحملها بشار الأسد فقط وإنما كل رجل يظن نفساً قيّماً ووصياً على المرأة…
واضح من خطابي هذا أنني وبتأسيسيّ للسياسة على أساس أخلاقي، من أنني لا أفهم في السياسة البراغماتية الواقعية كما هي عليه اليوم بوصفها خطاب قوّة يعمل على إقصاء غيره من الخطابات ويفرض حقيقته بالقوة وبالإكراه. يبدو جليّا إذن بأنني حالم رومانسيّ في أحسن الأحوال لا مكان لي في عالم الاقتتال السياسيّ…
فعلاً لا أفهم في هذه السياسة ولا أريد أن أفهمها بوصفها صراع قوى لجماعات مافيوية مستعدة للتحالف مع الشيطان وتصفية كل من يقف في طريقها، بل سأحلم بسياسة تناسب أوهاميّ كما فعل الفيلسوف كانط عندما حلم بسلام دائم بين شعوب الأرض…
مع هذا البيان فقط أشعر بتحرريّ من قيوديّ وبقدرتي على مقاومة كل أشكال الهيمنة ومظاهر الاستبداد سواء أكانت صادرة من النظام أو من المعارضة …