تجويف سوريا… لتقسيمها؟!
راجح الخوري
كانت الدبابات السورية قد انسحبت من بلدة عربين عندما دخلها المراقبون الدوليون بعد ستة ايام من وصولهم الى دمشق، لكن ذلك لم يحل دون تعرض الاهالي الذين خرجوا للتظاهر امام عيون الدوليين، لإطلاق النار وسقوط ثمانية جرحى.
شاشات التلفزة نقلت صور الحادث، لكن العقيد المغربي احمد حميش تحدث على طريقة السوداني محمد الدابي نافياً تعرض المراقبين للنار وقائلاً انه لا يقدم التقارير الى الصحافة بل الى الامم المتحدة. حصل هذا بعدما منعت السلطات المراقبين من الذهاب الى حمص طبعاً “لأسباب امنية”، في وقت واصل النظام وضع شروط تقيد عمل البعثة الدولية إن لجهة اختيار جنسيات اعضائها بحيث يأتون من دول تؤيد النظام، او لجهة تقرير تحركاتهم بحيث لا يرون إلا ما يريد النظام ان يروه!
على هذا الاساس وقياساً بالواقع الملتهب على الارض حيث سقط اكثر من 200 قتيل منذ وصول طليعة المراقبين قبل ستة ايام، تبدو رسالة الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون الى مجلس الامن، التي دعا فيها الى نشر بعثة من 300 مراقب على مدى ثلاثة اشهر، بمثابة وصفة لسقوط ثلاثة آلاف قتيل اضافي لأن المؤشر اليومي للضحايا منذ قرار وقف النار هو ما بين 25 و30 قتيلاً!
المبعوث الخاص كوفي انان يتحدث عن فرصة للتقدم من دون ان يقلل خطورة التحديات، لكن الحديث عن نشر تدريجي للمراقبين على مدى اسابيع في حوالى عشرة مواقع سورية يبدو بلا فعالية في ظل استمرار العنف، الذي لن يتوقف بعد هذا الطوفان من الدم والمآسي. فمن الواضح ان النظام لن يتراجع عن الحل العسكري فيسحب الدبابات والاسلحة الثقيلة ويطلق المعتقلين ويسمح بالتظاهرات التي ستغرق المدن فوراً مطالبة بسقوط الرئيس بشار الاسد، ومن الواضح ايضاً ان المعارضة لن تتراجع بدورها بعد كل ما تكبدته من ضحايا وتدمير للمدن والاحياء.
حتى الآن تبدو الاجتماعات الدولية المتلاحقة على هامش مهمة انان وكأنها محاولات لتبرئة الذمم من الدم السوري المتدفق ولنفض قميص عثمان مما يجري، والذي قد يكون بداية لسنوات من الحرب الاهلية التي يراد لها في مطابخ الاستراتيجيات الكبرى ان تستنزف سوريا وتجوفها وتنهك قواها ومن ثم تدفع بها الى التقسيم!
وفي الواقع تبدو دول العالم مثل اوركسترا جنائزية تواكب المأساة المتصاعدة منذ عام ونيف، فالعزف الاميركي اليومي مثلاً على جروح السوريين ليس اكثر من مسلسل من الاكاذيب التي تتلطى وراء حماقة الروس في وقوفهم الفظ ضد الشعب السوري واعتبار كل المعارضين من الخارجين عن القانون، واذا اضفنا الى هذا العجز العربي الصارخ والتردد التركي الفاضح والسهر الاسرائيلي الوقح على تسويق موقف دولي فحواه “دعهم يقتلون بعضهم بعضاً حتى الانهيار”، يمكن القول انها فعلاً حرب يا قاتل يا مقتول ولن تنتهي إلا بانهيار سوريا او بتقسيمها!
النهار