تحديات بقاء الكيان السياسي السوري
زين الشامي
أصبح واضحا بعد مضي سنة ونصف السنة على الثورة السورية ان الغرب والدول الإقليمية لا يملكون قدرة او حتى رؤية او ربما رغبة لحل الأزمة في ذلك البلد، ما يعني ان الصراع بين المعارضة التي باتت في معظمها مسلحة وبين النظام الذي يخوض حربه مدججا بكل انواع السلاح على الاراضي السورية كافة سوف يبقى مستعرا حتى الأمد المنظور، وهو ما يعني اننا يجب ان نعد انفسنا للتكيف مع هذه المأساة وتوقع آلاف اخرى من الضحايا، ومزيد من تفكك الدولة السورية ومزيد من الدمار ومزيد من النازحين واللاجئين السوريين.
فعلى المستويين السياسي والديبلوماسي وبعد فشل خطة مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان لحل الازمة في سورية وبعد فشل متواصل لمجلس الأمن الدولي في التوصل الى اي صيغة قرار، اضافة الى مراوحة الموقف الاميركي في الدائرة الكلامية المنتقدة للنظام نفسها، وعدم ظهور ما يوحي بتغير اي من الموقفين الروسي والإيراني حيال بقاء نظام الرئيس بشار الاسد، فلا شيء يلوح في الافق يجعلنا نأمل بوجود حل قريب، على العكس تماماً من ذلك، هذه الحالة تعني مزيدا من الصراع المسلح ومزيدا من العنف والقتل والدمار بين المعارضة وقوات النظام بغية كسر إرادة الطرف الآخر او دحره والغائه تماماً.
بالتأكيد لن يستطع أي منهما تسجيل نصر حاسم او ادعاءه بعد اشهر من القتال حيث اثبت النظام عجزه اخماد ولو مجرد تظاهرة في قرية بعيدة ولا المعارضة المسلحة اثبتت انها تملك المقدرة العسكرية على تسجيل انتصار حاسم في اي حي او مدينة خاض فيها مقاتلوها حربا مع قوات النظام.
طبعا لا يستطيع اي من الطرفين تحقيق هذا الانتصار، فالنظام بات يفتقد الحاضن الاجتماعي والشعبي حيث خسر اكثر من سبعين في المئة من الاراضي السورية لصالح الجيش الحر والمعارضة. ولا هي المعارضة التي تملك نوعية من السلاح تستطيع من خلاله صد الغارات الجوية للطائرات الحربية التي بات يستخدمها النظام في حربه. باختصار، المعارضة تسيطر على الارض ومتواجدة بين الأهالي في القرى والبلدات وتحظى بدعم منقطع النظير، فيما قوات النظام ما زالت تملك أرجحية عسكرية قوامها مئات الدبابات والطائرات والمدفعية لها قدرة على دك المدن فوق اهلها وتدمير كل التجمعات السكنية التي تؤوي المعارضة وتمدها بالعون واسباب البقاء.
هذه الأوضاع، مضافا اليها ان الغرب ما انفك يكرر عدم رغبته بانشاء منطقة عازلة او التدخل عسكريا، ومضافا اليها ازدياد معدل ونسبة القتل اليومي والعنف والتدمير والمجازر من قبل قوات النظام، جعلت من الصعوبة بمكان لجم بعض التشكيلات العسكرية المعارضة وبعض المسلحين عن ارتكاب ما يعتبرونه «حق مشروع» لمواجهة عنف النظام ومحاولته اخماد الثورة، فراحوا على سبيل المثال يؤسسون تشكيلات تشبه تشكيلات الدولة من سجون ومحاكم وإدارة ذاتية، طبعا ان من يقومون بذلك هم المجموعات الأقوى عسكريا على الارض ومن يملكون السلاح.
ان الكثير من مثل هذه التشكيلات بات يمكن رصدها في محافظات ادلب وحمص وريف حلب ودير الزور، هناك دولة ونظام جديد يتشكل في رحم النظام القديم الذي لم يسقط بعد. والمشكلة هنا تتجلى في غياب كامل للمعارضة السياسية السورية التقليدية بكل أجنحتها وطيفها الفكري والايديولوجي. ان ذلك يعني شيئا واحدا ألا وهو: بروز قوى جديدة بملامح سياسية غير واضحة بعد هي التي باتت تتحكم بالأمور على الارض وتفرض قناعاتها ورؤيتها على بقية افراد المجتمع لكن باسم الثورة.
ان استمرار هذه الحالة وديمومتها سيعني ان تشكيلات اخرى في مناطق اخرى ستنشأ وتحت قيادة قوى الامر الواقع الجديدة أو القوى والجماعات التي تملك السلاح وتتحكم به وتستخدمه. هذا يعني أيضاً مزيدا من اضمحلال وتقهقر المعارضة السورية السياسية التقليدية لصالح قوى جديدة غير معلومة وغير واضحة الملامح.
ان الخوف الأكبر على الكيان السياسي السوري يأتي من هنا، من هذه التشكيلات السلاحوية الجديدة التي فرضت نفسها بسبب فقدان الامل من حل سياسي دولي واقليمي قريب، ومن تدخل خارجي يعجل بنهاية النظام، وثالثا بسبب ضعف وشيخوخة المعارضة السورية بكل أطيافها.
إن استمرار الأزمة السورية على الحالة نفسها من المراوحة في المكان ومع مزيد من الضحايا والدمار والمذابح… سيجعل انفراط عقد الكيان السياسي السوري مسألة وقت فقط. واذا كانت غالبية من السوريين يخشون على مستقبل بلدهم ووحدته، عليهم ان يعلموا ان الغرب والعالم الخارجي لا يكترث لذلك مطلقا، هناك الكثير من القوى والدول الإقليمية التي تريد لسورية ان تتفكك وتضعف ولا يريدون للمعارضة ان تنتصر او تنهزم كما انهم لا يريدون للنظام ان ينتصر او يسقط.
الراي