«تحرير سوريا» تصد هجوماً متكرراً للجولاني على مواقعها: سباق للسيطرة على حدود عفرين الجنوبية/ منهل باريش
انقضت 40 يوما على الاقتتال بين «هيئة تحرير سوريا» (التي تشكلت من تحالف حركة «نور الدين الزنكي» وحركة «أحرار الشام» الإسلامية في شباط/ فبراير الماضي) وألوية «صقور الشام» من جهة، و«هيئة تحرير الشام» (وقوامها الرئيس جبهة النصرة سابقا) التي يقودها ابو محمد الجولاني، من جهة ثانية.
ويتركز تكتيك «تحرير الشام» على الاهتمام بمنطقة ريف حلب الغربي التي تسيطر عليها حركة «الزنكي» على اعتبارها المنطقة الملاصقة لعفرين وتتمركز فيها نقاط المراقبة التركية، وبسبب إشرافها على بلدتي نبل والزهراء (البلدتين الشيعيتين الوحيدتين في محافظة حلب)، ويعتبر جزؤها الشرقي ضمن توسع ضواحي حلب الشرقية، كما تشترك في جبهات القتال مع أكاديمية الهندسة العسكرية وفرع المخابرات الجوية والبحوث العلمية. كل هذا جعل منطقة أريحا ومعرة النعمان وجبل الزاوية وريف حماة الشمالي أولوية ثانوية بالنسبة لـ«تحرير الشام» ودفع بزعيمها أبو محمد الجولاني إلى تركيز هجومه على ريف حلب الغربي بعد حسم عسكري في مناطق معرة مصرين وكفر يحمول في إدلب، وتحييده بلدة حزانو عن القتال من خلال مفاوضات مع بعض وجهاء البلدة شريطة ألا يدخلها. وجاء ذلك بعد أن كبدته البلدة (حزانو) التي تقع على طريق إدلب ـ معبر باب الهوى، عشرات القتلى ومنعت أرتاله ومؤازريه من المرور عبرها. وكذلك حصل مع بلدة حربنوش التي تعتبر أحد معاقل «فيلق الشام» المقرب من تركيا، فيما تدخّل أعيان بلدة الأتارب إلى الشرق من حزانو، في منع القتال بين فصائل الجيش الحر فيها مع «تحرير الشام».
وتركز «تحرير الشام» منذ أسبوعين هجومها للسيطرة على الطريق الحيوي بين دارة عزة وعنجارة بعد أن تمت السيطرة على المحور الموازي للطريق، والذي يصل بين قرى عويجل، عاجل، بسرطون وصولا إلى تقاد.
وفي هذا السياق، قال القيادي في «تحرير سوريا» النقيب عبد السلام عبد الرزاق أن الهدف المباشر من هذا الهجوم يتمثل في «السيطرة على الفوج 111، وهو معسكر كبير يتبع لتحرير سوريا، وفي حال السيطرة عليه يعني عزل دارة عزة وجبل سمعان عن مناطقنا في ريف حلب الغربي»، وعن الصراع المستمر وتبادل السيطرة على قرية بسرطون. وأضاف: «تحاول عصابة الجولاني الاحتفاظ ببسرطون كونها منطقة مرتفعة وتشرف على القرى الواصلة الى الفوج 111 ولا تستطيع ان تتقدم باتجاه الفوج إن لم تتمكن من الحفاظ عليها».
وشهدت الأيام الأخيرة مواجهات عنيفة بين الطرفين تمكنت «تحرير سوريا» خلالها من استعادة بسرطون لتعود وتخسرها بعد أيام قليلة، ويتركز هجوم قوات الجولاني الآن على قرية بكلنيس، وفي حال سيطرته عليها يعني أنها تمكنت من رصد طريق حلب ـ دارة عزة ناريا وأصبحت في مواجهة الفوج المذكور.
وارتفع عدد قتلى «تحرير الشام» الى نحو 400 قتيل في معارك ريف حلب الغربي، فيما تقدر أعداد قتلى «تحرير سوريا» و«ألوية صقور الشام» بقرابة سبعين قتيلا. ويضاف إلى ذلك قرابة عشرين مدنيا قتلوا بنيران القصف المدفعي الذي تشنه «تحرير سوريا» على ريف خلب الغربي.
ويبقى هدف قوات الجولاني هو محاولة السيطرة على دارة عزة وقلعة سمعان حيث تمركز الجيش التركي في نقطة المراقبة في جبل الشيخ بركات والذي يعتبر أعلى قمة جبلية في المنطقة ويرتفع قرابة 876 م عن سطح البحر. واستمرار خسارة تلك المنطقة يعني أن «تحرير سوريا» أصبحت قوة فاعلة بجوار نقطتي مراقبة تركية هما الشيخ عقيل (قريبة من نبل والزهراء) ونقطة الشيخ بركات. وتأتي أهمية دارة عزة في أنها تقع على المعبر الواصل بين عفرين وإدلب، وهو طريق الحركة التجارية وطريق المحروقات الواصل من شرق سوريا مرورا بمنطقة درع الفرات ثم عفرين وصولا إلى إدلب. إلا أن المعارك الحاصلة شمال دارة عزة في عفرين أبقى الطريق مرصودا ناريا، ودفع بقوافل المحروقات التي تعطلت مع بدء معركة «غصن الزيتون» إلى التوجه من مدينة عفرين نحو جنديرس ومن ثم أطمة حيث تسيطر «تحرير الشام».
ويشار إلى أن «تحرير الشام» تحكمت بشكل كبير في حركة المحروقات القادمة من تركيا، من خلال فرض أتاوات وضرائب على التجار الذين أدخلوا المحروقات من تركيا، ما انعكس على رفع أسعار «الديزل» (المازوت) الذي يعتبر عصب الحياة الصناعية والزراعية في سوريا، إضافة الى كونه المادة الرئيسة للحافلات وشاحنات النقل الزراعية والآليات والسيارات الخاصة. ووصل برميل «المازوت» (220 ليترا) إلى قرابة 210 دولارات في بعض مناطق إدلب وحماة.
وما لا شك فيه أن طرد «وحدات حماية الشعب» الكردية، غيّر معادلة السيطرة في الشمال لصالح تركيا، لكن تبقى طرق وأسلوب إدارتها في عفرين مختلفة عما كان عليه الحال في منطقة «درع الفرات». فأنقرة ستبذل هناك جهودا مضاعفة عن تلك التي بذلتها في المناطق التي طردت منها تنظيم «الدولة الإسلامية»، في محاولة لاستمالة السكان وجعلهم يتقبلون فكرة وجودها، سيما وأن عفرين منطقة كردية خالصة ما يعني مزيداً من الحساسية والرفض في استجابة السكان، رغم أن الملامح العسكرية والأمنية والمدنية لم يتضح شكلها النهائي بعد.
التطورات الحاصلة في عفرين ستنعكس بشكل أكثر عنفا ودموية على ما يحصل بين «تحرير الشام» و«تحرير سوريا»، فكل منهما يريد السيطرة على الشريط المحاذي لعفرين جنوباً. ولعل حركة «أحرار الشام» التي سيطرت لسنوات على معبر «باب الهوى» وعرفت حجم القوة السياسية والعائد المالي من الإمساك بالمعبر، هي أكثر من يتوق إلى السيطرة على ذلك الشريط، فيما تلعب الجغرافيا دوراً كبيراً لصالح حركة الزنكي الطامحة إلى دور سياسي كبير في المتغيرات اليومية للشمال السوري.
القدس العربي