تدويل الأزمة السورية بين الأمل والواقع السياسي
نور الحلبي
لقد فشلت المبادرة العربية في سوريا بشكل عملي حسب ما يراه المراقبون السياسيون للملف السوري والتي أتت أصلا متأخرة مقارنة مع تحرك الجامعة العربية إزاء الملف اليمني رغم فشلها في حل الأزمة اليمنية حلا جذريا، وكذا سرعتها في التحرك إزاء الملف الليبي، ويرجع هذا التأخر إلى التشبيح السياسي الذي يمارسه النظام السوري في الدول العربية من خلال التهديد بالحرب الإقليمية والاقتصادية ونحو ذلك، وهذا ما نجح به النظام اتجاه تركيا التي لم نعد نسمع تصريحاتها القوية اللاذعة إزاء القضية السورية كما السابق، إضافة لتأثيراللقاء التركي الإيراني الذي حصل من قريب، وما جعل الدول العربية تتأخر في مبادرتها أيضا سكوتها بداية الأزمة بسبب الخوف من تأثر المنطقة كلها في حال تأزمت الأمور بشكل أكبر في الأراضي السورية؛ في حالة من التردد للإقدام على المبادرة قام الشعب السوري بحسمها من خلال إصراره على متابعة ثورته مهما كلفه الثمن، إضافة لضغط الدول الغربية على الجامعة لحل الأزمة بسبب عدم رغبة الغرب في التدخل العسكري وتدويل هذا الملف، وهذا ما تدركه الجامعة العربية جيدا.
وما يؤكد فشل المبادرة بشكل أوضح خطاب الرئيس السوري الأخير الذي يهاجم فيه رؤساء الدول العربية ويستهزئ بالمبادرة ويسمهم بالعملاء للغرب ونحو ذلك، فضلا عن مهاجمة المراقبين اليوم في الأراضي السورية من قبل الشبيحة في رسالة مفادها: طرد المراقبين ورفض المبادرة.
ورغم أن الجامعة العربية تدرك سلفا بعدم التزام النظام السوري ببنود المبادرة وأن بقاءه مرهون بقدرته العسكرية والأمنية التي إن تخلى عنها حسب ما تنص عليه بنود المبادرة يعني: أن سقوطه سيكون حتميا وسريعا، إلا أنها أرادت من خلالها عدم تدويل الأزمة مماشاة الغرب في عدم رغبتهم بتحريك هذا الملف، وأرادت حل المسألة عربيا من خلال المبادرة كخيار وحيد، وهذا ما جعلها اليوم تقرر بقاء المراقبين في سوريا على الرغم من عدم تنفيذ النظام السوري لبنود المبادرة.
ومن هنا تجد المعارضة الشعبية في سوريا والمعارضة السياسية عدا بعض الفئات منهم ممن يخشون تدمير المؤسسة العسكرية بسبب الانشقاقات التي تحدث في صفوف الجيش؛ أن سحب تلك القدرة العسكرية من يد النظام وتحويلها لصالح الثورة بما يعرف بالجيش الحر عامل هام في نجاح الثورة السورية وتحقيق الحماية للمدنيين، إذ يرى المجلس الوطني والمعارضة الشعبية ضرورة إحالة الملف لمجلس الأمن الدولي وتدويله غربيا للمطالبة بحماية السوريين من خلال إنشاء مناطق عازلة ونحوها والذي هو في حقيقته تدخل عسكري، إذ هذا الحظر الجوي يقوم من خلال طائرات عسكرية غربية تقوم باختراق الحدود الجوية السورية وحماية المناطق المحظورة، ورغم خطورة هذه الخطوة إن حدثت والتي لابد أن تكون مضبوطة إلا أنهم يرون فيها تشجيعا للمؤسسة العسكرية في الانشقاق عن النظام والوقوف مع الثورة وسحب القوة من يد النظام لتكون بيد الشعب ومن أجل حمايتهم، وبالتالي يكون سقوط النظام حتميا، وهذا ما سيحصل في حقيقة الأمر حسب رصد النشطاء في الداخل واتصالات كثير منهم مع قوى أمنية داخلية كثيرة وحتى من المقربين من النظام الذين يبدون استعدادهم لمثل هذه الخطوة في حال إنشاء مثل هذه المناطق والحصول على الأمان من بطش النظام، وهذا ما يخشاه النظام ويدركه تماما إن حدثت مثل هذه الخطوة، ولهذا يسعى لتحالفات دولية تجنبه قيام الغرب بإنشاء مثل هذه المناطق أو حدوث تدخل عسكري، والرؤية هذه للمجلس الوطني السوري بشأن تدويل الأزمة ونظرته تلك للجيش الحر تأتي في إطار تجنيب سوريا الدخول في حرب ومواجهات دامية بين الجيش الحر والجيش النظامي في حال بقيت الأزمة واستمر القتل والتنكيل مما يؤدي بالتالي لحرب أهلية قد بدت بوادرها في الآونة الأخيرة، والتي قد تتطور للحرب الطائفية التي يحاول النظام منذ بداية الثورة النفخ في نارها وإثارة فتنها.
وهذه النظرة للتدخل العسكري وللجيش الحر ترى فئة أخرى من المعارضة ممن يسمون بهيئة التنسيق الوطني خلافها إذ يعتبرون التدخل العسكري الغربي مأساة تؤدي لخسائر أكبر في الأرواح وتدميرا للبلاد وتأجيجا للمنطقة بأسرها، وإذ يتكلمون عن عدم استعداد الغرب لهذا التدخل يبدو انهم يفضلون طريق التفاوض والحوار رغم أنه من المعلوم أن النظام السوري لن يتنازل عن السلطة لا بالحوار ولا بالقوة حتى تنفذ كل أوراقه السياسية والعسكرية ولو أباد ثلث الشعب السوري كما ورد هذا التصريح من السلطة نفسها وهذا ما بات معلوما للجميع، فالنظام السوري يحارب شعبه والعالم وكل من يقف ضده على طريقة القذافي لكن من غير مواجهة ومجابهة علنية، وإنما بالكذب والمراوغة واللعب بكل الأوراق المتاحة لديه.
وأما مسألة عدم رغبة الغرب بالتدخل العسكري في سوريا فهي حقيقة واضحة وضوح الشمس عبرعنها وزير الخارجية القطري حين طلبت المعارضة من الجامعة تحويل الملف لمجلس الأمن بقوله: (ان الملف السوري موجود أصلا في مجلس الأمن الدولي..) إلا أن الدول الغربية لا تنوي تحريك هذا الملف وتدويل الأزمة ولو أرادت لأقدمت على ذلك منذ البداية كما في الملف الليبي وما الحديث المتكررعن طلب توحيد المعارضة من قبل الغرب والعرب إلا ذريعة لعدم الرغبة في التدويل مقارنة مع سرعة تدويل الملف الليبي رغم عدم وجود معارضة فيه سياسية ومجلس انتقالي في بداية الثورة الليبية، والقارئ للسياسة الغربية يدرك تماما أن الدول الغربية تتحرك ضمن مصالحها ولا مصالح ترجى سياسة أو اقتصادية في سوريا بل على العكس تماما ليس من مصلحتها التدخل أصلا في حالة الحرب التي تعيشها أمريكا مع إيران أحد حلفاء النظام السوري خوفا من إشعال حرب ضد اسرائيل هم بغنى عنها في الوقت الراهن، وحتى قد قيل في قراءة سياسية أخرى أن دعم روسيا للنظام السوري والتهديد باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن يدخل ضمن مصلحة الولايات المتحدة والدول الغربية وأنه قائم باتفاق فيما بينهم من أجل عدم تحريك هذا الملف والإبقاء على النظام السوري الداعم لإسرائيل بشكل غير مباشر على اعتباره خالقا للتوازن بين القوى في المنطقة من خلال أكذوبة الممانعة، وما التصريحات والتنديدات من قبل هذه الدول إلا ضرورة سياسية يقتضيها الواقع العام السياسي والإنساني فقط أمام الرأي العام، والسبب الأهم الذي يجعل التدخل أكثر استحالة وتحريك الملف السوري أكثر صعوبة هو حدوث القناعة الأكيدة لدى الدول الغربية والتي تترسخ يوما بعد يوم بأن النظام البديل للنظام السوري سيكون معبرا عن إرادة الشارع العربي وقيمه ومبادئه ومواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية خصوصا وأن سوريا بوابة العرب للقدس وأرض الجولان مازالت محتلة إلى الآن، وما يدل على دعم اسرائيل للنظام تصريح اسرائيلي: ينص على استعداد اسرائيل لاستقبال الطائفة العلوية في الجولان في حال سقوط النظام السوري، وما يزيد تخوف الغرب من النظام البديل في سوريا بشكل أكبر هو دخول الأحزاب الإسلامية اليوم في تونس ومصر المعترك السياسي بإرادة الشعوب وعلى طريقهم ليبيا، وهذا ما يرجح حدوثه في سوريا في حال سقوط نظام الأسد، لاسيما وأن الأغلبية العظمى في سوريا من أهل السنة، يلمح هذا التخوف من خلال تحرك واشنطن اليوم لأخذ التطمينات والضمانات من الإخوان وغيرهم من الأحزاب الإسلامية للاستمرار بعملية السلام: الأكذوبة التي لعبوا بها على الشعوب العربية لسنين طويلة وهذا ما يجب أن يحذره الإسلاميون اليوم، ويدركوا جيدا أن الشعوب لم تعد تصدق هذه الأكذوبة وتود الخروج من تلك اللعب السياسية وتسعى لتحقيق قناعاتها وحل قضاياها.
وإذ تخشى الجامعة العربية وهيئة التنسيق الوطني من التدخل العسكري في سوريا اليوم إلا أن النظام السوري استجلب الغرب للبلاد منذ بداية الأزمة وهاهو اليوم يدخل الأساطيل الروسية التي تعطيه الثقة والطمأنينة التي تحدث بها في خطابه الأخير ازاء التدخل في بلاده وتدويل الأزمة ومن المرجح أن دخول روسيا للبلاد قام بتأشيرة ومباركة غربية، روسيا التي من المتوقع أنها أصبحت اليوم تعد حلقة وصل لاتفاق بين أمريكا وإيران في شأن الملف السوري من خلال اللقاء الروسي الإيراني الذي حدث من قريب كما اللقاء الإيراني التركي تأكيدا على رفض تدويل الأزمة من الدول الكبرى، لعبة سياسية خاضعة للمصالح تلمح من خلال تساؤل هام يطرح نفسه أثناء فترة احتلال العراق في تمكين أمريكا للشيعة الذين تقف من وراءهم إيران في القضاء على صدام حسين ودخولهم السلطة وتمكينهم في العراق في إطار صفقات ومصالح اقتصادية وغير اقتصادية في الأراضي العراقية رغم حالة الخلاف والصدام التي تعيشها أمريكا وإيران، ومن المخيف أكثر أن تلك الاتفاقات اليوم بشأن الملف السوري تجري ضمن وضع استغلالي من الغرب للمبادرة العربية التي تدعم قمع الثورة من حيث لا تدري وبشكل غير مباشر وغير مقصود، وهذا ما يعطي النظام الثقة بالبقاء اليوم بشكل أكبر فيضرب الأسد في خطابه بالمبادرة عرض الحائط ويهاجم فيه الدول العربية…
وما يريده المجلس الوطني والمعارضة الشعبية اليوم وضع العالم أمام مسؤولياته والعمل على إحالة الملف لمجلس الأمن وتدويل الأزمة من خلال استغلال القوانين الدولية والحقوقية الإنسانية وهذا هو الأمل الوحيد اليوم للشعب السوري الذي تنتهك حقوقه كل يوم أمام مرأى العالم كله، والذي يرغب أن تكون الدول العربية داعمة له وهذا واجبها من باب الأخوة العربية، خصوصا وأن دخول المراقبين اليوم لسوريا كان فرصة ذهبية ليرى العرب ما يجري لأخوتهم السوريين على أرض الواقع ويدركوا حقائق الأمور رغم خطورة الوضع على المراقبين، وما يضع الأمل فيه الشعب السوري اليوم بعد الله ونصره هو الجيش السوري الحر الذي سيكون المخرج الوحيد لهم في حال تخلى العالم عنهم، وحتى لو كان النظام يملك أوراقا سياسية وعسكريـــــة فالأهم والمعول عليه أولا وآخرا هو إرادة الشعوب ومن حق الشعب السوري نيل حريته وإعادة بناء بلاده بعدما أهــــلكها الفســاد والفقر والخراب لأربعين عاما بعيدا عن اللعب السياسية كلها، ومن هنا حرب سلمية يعلنها الشعب السوري المنتفض على الظلم بكل أشكاله سلاحه فيها صوته، يصر هذا الشعب العظيم على خوضها ولو قتل جميعه معلنا (الموت ولا المذلة).
‘ كاتبة سورية
القدس العربي