تركيا: الأسلحة والاستخبارات …. ما الذي حدث؟/ فهمي كورو
رويداً رويداً، بدأ رئيس الوزراء السيد أحمد داود أوغلو يتخلى عن تصريحات التخوين والتهويل وبدأ يتحدث بلغة أقرب إلى كشف الحقيقة حيث قال «ما تحمله تلك الشاحنات أمر لا يخص أحداً، وإنما يخص الجهة المرسلة إليها فقط، وهذه مسألة سرية».
الدول تقوم أحياناً بتصرفات قد تتناقض مع سياساتها العامة المعلنة، ولا ترغب طبعاً في أن تكشف عن هذه التصرفات إلى العلن والأمر هنا لا يخص تركيا وحدها، فكل الدول تتشابه هنا، وكمثال نسوق حادثة «إيران غيت» الأميركية. إذ إن الرئيس رونالد ريغان، وفي ولايته الثانية، قام بإجراء مفاوضات سرية مع إيران التي تفرض أميركا عليها في العلن عقوبات اقتصادية وسياسية، وفي مقابل إطلاق سراح بعض الرهائن الاميركيين أرسل ريغان أسلحة إلى طهران، وفي الوقت نفسه استخدم ثمن تلك الأسلحة التي حصل عليها من طهران في تمويل المعارضة في نيكاراغوا. كم خطأ اقترفت إدارة ريغان في هذا المثال؟ أجرت مفاوضات وأرسلت سلاحاً لدولة عدوة، ثم أرسلت دعماً مالياً لمتمردين ضد حكومة شرعية معترف بها ودعمتهم من أجل قلب نظام الحكم! كل هذه التصرفات كانت مخالفة وغير قانونية، لكن إدارة ريغان وجدت طريقها لتنفيذ هذه الخروقات لأنها اعتقدت أنها قد تكون مفيدة، وحاولت إخفاءها عن الإعلام بالطبع. وعلى غرار الإدارة الأميركية قامت الحكومات التركية المتعاقبة بشيء مشابه.
ولعل تلك الشاحنات المعبأة بالسلاح والتي كانت المخابرات التركية تحاول إرسالها إلى سورية إحدى هذه المرات. لكن الفارق هو أن ريغان، وبعد أن أفشى أحد المفاوضين الإيرانيين لصحيفة لبنانية خبر التعاون مع أميركا، لم يلجأ إلى تخوين الصحيفة أو الإنكار وإنما حاول شرح الأسباب التي دفعت إدارته إلى ذلك التصرف. كما لم يتأخر الكونغرس في مناقشة الأمر في شكل عاجل. نفهم أن الحكومة التركية أرادت وما زالت تريد إخفاء حقيقة تلك الشاحنات عنا، وهذا واضح من خلال تصريحات المسؤولين المتضاربة حول الموضوع، لكن ما لا نفهمه هو هذا الغضب العارم من الصحيفة التي نشرت صور تلك الشاحنات وتوجيه تهم الخيانة لها.
تصدر الصحف في الدول الديموقراطية من أجل إطلاع الرأي العام على الحقيقة والمعلومات التي يحتاجها من أجل الحكم على أداء الحكومة وأجهزة الدولة، لذا نطلق اسم السلطة الرابعة على الصحافة لما لها من دور رقابي مهم. كل ما فعلته الصحيفة كان نشر بعض الصور لتلك الأسلحة والتي من المفترض أنها سرية ومحفوظة في ملف التحقيق بعد أن أوقف الجيش تلك الشاحنات ومنع مرورها وبدأ التحقيق في قضيتها، والمفروض أن يصب داود أوغلو غضبه على المسؤولين الذين يفترض أن وظيفتهم كانت حماية سرية تلك الصور ومنع نشرها وليس الصحيفة التي وصلت إليها. يمكننا أن نفهم أنه في أجواء الحملات الانتخابية، تتمكن أحزاب المعارضة من استخدام تلك الصور والأخبار الصحيحة لمصلحتها من أجل ضرب الحكومة وتخوينها، لذا تبدو الحكومة منزعجة جداً بل غاضبة من تلك الصحيفة، لكن لا يمكننا أن نقبل بإلغاء حرية الصحافة ومنعها من أداء واجبها، لأن ذلك قد يصب في مصلحة أحزاب المعارضة، أو لأن وقت الانتخابات ليس الوقت المناسب لنشر مثل هذه القصص من وجهة نظر الحكومة.
الصحيح والواجب فعله، هو أن يقدم رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو على الخطوة الصحيحة والمتوقعة منه وهي شرح ما حدث وقصة تلك الشاحنات للرأي العام بهدوء، من دون تهديد أو تخوين.
* صحافي، عن «خبر تورك» التركية، 2/6/2015، إعداد يوسف الشريف
الحياة