تزايد الانخراط الأمني بين سوريا ولبنان
سليمان تقي الدين
تزايدت في الآونة الأخيرة الحوادث التي تدل على التورط المتبادل للقوى السياسية اللبنانية في الأزمة السورية والقوى السورية في لبنان . في كل يوم تقريباً هناك أحداث أمنية على الحدود بين البلدين أطرافها الجيش السوري و»الجيش الحر« والجماعات المسلحة السورية أو اللبنانية الناشطة على الحدود في أعمال إدارية أو أمنية أو عمليات تهريب . وقد صار القصف من الجانب السوري وعمليات الدهم واختراق الحدود في أكثر من منطقة ظاهرة مألوفة . حصلت كذلك عمليات خطف شدّت الانتباه إلى الانعكاسات السلبية على الجماعات اللبنانية . ومؤخراً ظهرت معلومات في صيغة بيانات عسكرية عن مقتل عناصر من »حزب الله« في سوريا وتهديدات متبادلة . كان معروفاً أن »حزب الله« منتشر على الحدود من شمالي البقاع إلى الجنوب وهو يسهم في عملية السيطرة على هذه الحدود والتعامل مع حركة العبور عليها . لكن الحديث عن مشاركة الحزب في أعمال أمنية ميدانية في الداخل السوري اتخذ طابعاً جدياً أكثر مع تشييع عناصر له في لبنان .
في المقابل، من المؤكد أن الحركات السلفية في لبنان تشارك في أعمال ونشاطات داخل الحدود السورية خاصة من منطقة الشمال، وتأكدت معلومات عن مشاركة فلسطينيين من مخيمات لبنان في هذه النشاطات . وما كان اتهامات سياسية يتعلق بالتفاعل بين الأزمة السورية والداخل اللبناني أصبح شبه مؤكد ويسهم في توتير العلاقات بين الجماعات اللبنانية . من الواضح أن أعمال العنف المتبادلة بين النظام ومعارضيه في سوريا تتسع وتتصاعد من دون أفق معروف في غياب أي مشروع سياسي أو مبادرة جدية لها مقوماتها، وأن تدويل الأزمة السورية على أعلى المستويات يرشح سوريا إلى وقت طويل من الفوضى ما يجعل لبنان في دائرة الخطر من التداعيات المحتملة . فإلى جانب الاعتبارات السياسية والحسابات التي يجريها الفرقاء اللبنانيون انطلاقاً من الاحتمالات المتعددة للأزمة السورية، أصبح التدخل المادي عنصراً إضافياً في الداخل اللبناني يسهم في تعقيد الكثير من القضايا، بما في ذلك الاتفاق على قانون الانتخاب وإجراء الانتخابات نفسها .
اتخذت الكنيسة المارونية مؤخراً موقفاً أكثر تشدداً من طبيعة قانون الانتخاب وحصة المسيحيين في المجلس النيابي المقبل، انسجاماً مع مخاوفها من الموجة الإسلاموية في سوريا وحاجتها إلى الدفاع عن مواقعها في السلطة اللبنانية لحفظ موقعها، وذهبت في الأمر إلى حدود القبول بمشاريع أكثر فرزاً على المستوى الطائفي . ويقوم في لبنان اليوم صراع حاد على السلطة بين فريقي 8 و14 آذار بالنسبة لقانون الانتخاب واحتمالات الربح أو الخسارة نتيجة القبول بأي نظام انتخابي . ويتصرف الطرفان من منطق التوازن السياسي لا من منطق البعد الإصلاحي أو صحة التمثيل أو عدالته . ويبرر كل طرف ضمناً موقفه بالمناخ العام الذي يسود المنطقة . هكذا يتزايد التداخل بين الأزمة السورية والأزمة اللبنانية مع فارق تجلياتها ومظاهرها وينزلق لبنان أكثر إلى دائرة النزاع الإقليمي . وفي إحصاء لمنظمات الأمم المتحدة بلغ عدد اللاجئين السوريين أكثر من ثمانين ألفاً، والمقصود بهؤلاء الذين يتعاملون مع هذه المنظمة الدولية من أجل المساعدات الإنسانية، لكن الرقم الفعلي يتجاوز هؤلاء بأضعاف لأن معظم الفئات السورية النازحة المقتدرة اجتماعياً تستقر في لبنان بشكل هادئ وطبيعي .
إلا أن النزوح على الحدود شكّل ويشكل عناصر احتكاك بين السوريين أنفسهم من تيارات مختلفة، وبينهم وبين اللبنانيين . وهناك قلق لبناني كما تقول بعض المصادر الرسمية من توطن قسم مهم من السوريين في لبنان خاصة أولئك الذين يجدون بيئة حاضنة . ومن المعروف ان العراقيين المهجرين من سوريا هذه المرَّة إلى لبنان ومنهم بصورة خاصة المسيحيون استقروا في بعض المناطق . وكذلك يسري الأمر على فئات أخرى من المجتمع السوري . وإذا كانت الأوضاع اللبنانية على هذا المستوى من الهشاشة الأمنية ومن النزاعات السياسية، فإن الأوضاع تؤذن بالمزيد من المخاطر على السلم الأهلي والاستقرار .
الخليج