صفحات العالم

مجزرة التريمسة: نذير تطهير عرقي


انه أسوأ السيناريوهات الممكنة، ذاك الذي يبدو أنه يستوطن في سوريا، ومن دون رجعة. مجزرة التريمسة أحد فصول هذا السيناريو، تلك القرية الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها الـ 10000 نسمة، قتل منهم 150 شخصا، حسب احدى الجمعيات السورية لحقوق الانسان.

تقع القرية في واد زراعي يمتد الى شمال مدينة حماه. سكانها كلهم من السنة، تحيط بها ستة قرى تقع على هضاب محيطة بها، كل سكانها من العلويين. والتريمسة بحسب المجلس الثوري لمدينة حماه حاصرها الجيش السوري لمدة ستة أشهر. وفي يوم الخميس الماضي، شنت قواته هجوماً عليها، فألقت نيران دباباتها ومدفعيتها وطوافاتها العسكرية. ثم هاجمت هذه القوات القرية، فدخلت في معركة قاسية مع قوات المنشقين، دامت سبع ساعات.

بعد ذلك، وكما حصل من قبل في مجزرة الحولة، تدفّق “الشبيحة” على القرية، من أجل النهب والقتل والتدمير(“الشبيحة” هم رهط من الزعران حوّلهم النظام إلى ميليشيات). وتبعاً لما قاله المجلس الثوري، فان سكان القرى العلوية المجاورة ساعدوا “الشبيحة” على تنفيذ مهماتهم على أثر هذا الاقتحام. قُتِل أربعون شخصا من سكان القرية ميدايناً، وأحرق ثلاثون وأبيدت ثلاث عائلات قتلا بالفأس.

بالإضافة الى ذلك، أكد المرصد السوري لحقوق الانسان ان 150 شخصا قتلوا، من بينهم عشرات المنقشين، بنيران القذائف والمعارك، وأُعدم 17 آخرون ميدانيا من بينهم نساء وأطفال، كانوا يحاولون الهرب من القرية. بما اننا لا يمكننا التثبّت من هذه الأرقام، يصعب علينا تقدير العدد الدقيق لضحايا المجزرة، وإن كنا لا نستبعد حصولها.

من جهتهم، أعضاء القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة الذين تمكّنوا من الوصول الى القرية يوم السبت الماضي، أشاروا الى برك الدماء في غرف غالبية المنازل، ولاحظوا أيضاً إحراق احدى مدارس القرية. وأشارت البعثة أيضا الى ان الهجوم على التريمسة يأتي في سياق القصف القاتل الذي قام به الطيران السوري ضد قرى تمتد من خان شيخون وحتى سوران: أي المناطق والبلدات الواقعة شمال حماه، قريبا جدا من مدينة اللاذقية الساحلية والمناطق العلوية، حيث لا يستبعد المراقبون ان النظام، المنبثق بالأصل من هذه الأقلية الدينية، قد يلجأ إليها في حال فقدانه السيطرة على المنطقة. الواقع انه كَثُر الحديث مؤخراً عن خلق هذا الجيب العلوي، وإن دحضه معظم المحلّلين.

قد يكون إنشاء هذا الجيب حقيقة وقد يكون وهما؛ الا ان استحضار هذه الفكرة، التي هي بمثابة “الخطة ب”، هو أيضا إشارة الى ان النظام السوري بدأ يفقد السيطرة على الأرض. ديبلوماسي أوروبي مقيم في بيروت يقول: “ان صفحة جديدة سوف تفتح الآن في سوريا، وإن كان أحد لا يعلم متى بالضبط”. ديبلوماسي آخر، يعمل في دمشق يحكي عن الليالي التي يستفيق فيها بسبب اصوات اإنفجارات آتية من أطراف العاصمة، منذ عدة أسابيع. ولكنه يضيف مدققاً: “لا أشعر بأن المعارضة تمكّنت حتى الآن من زعزعة النظام. لقد أربكته، ليس إلا. ولكن صحيح ايضا انني عالق في العاصمة، ولا استطيع ان أعرف بالضبط ماذا يجري في بقية أنحاء البلاد”.

بول سالم، مدير مركز كارنغي في بيروت ليس من الرأي نفسه، اذ يقول: “بين النظام والمعارضة لم يعد الوضع ثابتاً. فتوازن القوى اليوم اختل لصالح المعارضة. حتى دعم أنصار النظام تقلص في المدة الاخيرة. ويشعر المرء بالضيق الذي أصابهم. المعارضة اكتسبت في الايام الاخيرة زخماً؛ فقد أصبحت أكثر تسليحاً، أكثر تنظيما وفعالية، وزادت ثقتها بنفسها، وغيرت تكتيكاتها. لذلك توسعت رقعة القتال. بالمقابل يبدو النظام مثل سفينة حرب من غير قيادة ومشرفة على الغرق، استراتيجتها الوحيدة الاستمرار بالقتل. يمكننا التقدير بأننا نشهد اليوم المرحلة النهائية من القتال. وكل ما يفعله كوفي عنان هو السماح لبشار الأسد بكسب المزيد من الوقت”. ويضيف الباحث اللبناني: “ان الاقتصاد السوري ينهار. والذين يرغبون بدوام هذا النظام باتوا يدركون بأنه، أي النظام، جرّ البلاد إلى حرب أهلية…”.

الشعور ذاته تلاحظه لدى المثقف اللبناني سمير فرنجية، أحد الوجوه البارزة لثورة الارز عام 2005، التي أفضت الى إنسحاب القوات السورية من الأراضي اللبنانية. وهو العارف الدقيق بتفاصيل النظام السوري الذي حاربه، يقول: “الواقع ان النظام سقط بعد مجزرة حماه التي ارتكبها عام 1982 وقتل فيها بين 15 و20 ألف سوري؛ صار اختصاصه القمع، بل القمع الأكثر دموية. وصار من الواضح ان هذا القمع لم يعد ينفع، وانه لم يقضِ على الإنتفاضة التي اشتعلت بوجهه”.

تبقى روسيا وايران. الحليفان الأكثر صلابة للنظام السوري، واللذان بفضلهما تمكّن بشار الأسد حتى الآن من رفع رأسه فوق سطح الماء. بول سالم، من كارنيغي، يعتقد بأن هاتين الدولتين لم تعودا على قدر نفسه من الدعم السابق غير المشروط. يقول: “يعمل الروس على إقناع حلفائهم من داخل النظام بأنه عليهم إيجاد الظروف لمرحلة انتقالية. ما يريدونه هو الإبقاء على أجهزة الدولة الحالية. هم مقتنعون بأن مرحلة انتقالية جديدة سوف تنقذ النظام. ولذلك يؤكدون على تضامنهم معه. ولكنهم انتبهوا خلال الأشهر الأخيرة بأن إنقاذ النظام يتطلب تغيرات هامة، منها قيام الجنرالات السوريين بإقناع بشار الأسد بترك البلاد”. وايران؟ يجيب بول سالم: “حتى في طهران، هناك سجال بين كبار الرسميين وعلى الشبكة الالكترونية، أي انه نقاش علني… يدور كله حول معرفة ما اذا كان بشار قادراً على البقاء في السلطة أم لا”.

جان بيار بيران

[عن صحيفة “ليبراسيون”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى