صفحات الثقافة

رفض بيان «سينمائيي الداخل السوري» لا يُبرِّر الخطوة

«مهرجان دبي السينمائي الدولي» والمخرجون السوريون.. الردود المتأخّرة

نديم جرجوره

تأخّرت إدارة «مهرجان دبي السينمائي الدولي» في تنفيذ خطوة لا يُمكن تبريرها، وإن تبدو للبعض متوافقة والتزاماته السياسية والأخلاقية والثقافية. تأخّرت إدارة المهرجان في هذا، وأخطأت. تأخّرها متمثّل بانتباهها إلى أن هناك شعباً يواجه «القتل المتواصل، والتدمير الشامل»، وإلى أن لهذا الشعب «طموحات وخيارات»، بعد مرور عشرين شهراً على بداية «الحراك الشعبي السوري». تأخّرت في إعلان احترامها «الدم السوري النازف». أخطأت، لأنها أقدمت على خطوة سحب دعوات مُرسَلة قبل وقت إلى ثلاثة مخرجين سينمائيين سوريين للمشاركة في الدورة التاسعة (9 ـ 16 كانون الأول 2012). هذا يطرح سؤالاً: إذا كانت إدارة «مهرجان دبي» متوافقة و«سياسات دولة الإمارات العربية المتحدة» في «نصرة الشعب السوري»، لماذا دعت هؤلاء الثلاثة أصلاً، واختارت أفلامهم الجديدة، هم الذين وقعوا على بيان «سينمائيي الداخل السوري» في أيار 2011؟

كان على إدارة المهرجان أن تنتبه إلى هذا منذ اللحظة الأولى. هذا حقّ لها: أن تختار ما تريد وفقاً لقناعاتها الخاصّة، القابلة لنقاش نقديّ سويّ. أن تختار من تريد دعوتهم. كان عليها أن تنتبه إلى هذا منذ البداية. لكن سحب «دعوات حضور، وأذونات سفر، لمن هم على قائمة» الأفلام الثلاثة («العاشق» لعبد اللطيف عبد الحميد، و«مريم» لباسل الخطيب، و«صديقي الأخير» لجود سعيد)، خطوة خاطئة تُحسَب ضد إدارة المهرجان.

هناك مسلّمات باتت أساسية في العمل الإبداعي. علاقة السينما بالحياة ومساوئها وإيجابياتها ليست موضع نقاش. اتّخاذ سينمائيّ أو مثقف أو مبدع أو جهة ثقافية موقفاً ما حقٌّ طبيعيّ له يتحمّل مسؤوليته، سواء اتّفقتُ مع أحدهم أم لا. لستُ إلى جانب القاتل. لا أبرّر أفعاله أبداً. لا أصمت على جرائمه. الذين كتبوا بيان «سينمائيي الداخل السوري» اتّخذوا موقفاً مغايراً لحدث إنساني تاريخي على مستوى بلد ومجتمع. هذا نقاش متأخّر. عدم التراجع عنه بعد أشهر طويلة من الدم والجثث والخراب مُسيء لمن كتبه ووقّع عليه. هذا خيارهم. ذهبوا به إلى حدّ تخوين زملاء لهم. هذا غير مقبول. وجودهم في مهرجان ما مرفوض من قِبَل زملاء لهم تمّ «تخوينهم». لستُ موافقاً على تصرّفات «أقطابٍ» معارِضَة. لكن هؤلاء يتعرّضون للقتل والتعذيب والتغييب والتخريب. هذه جريمة: أن يُقتَل أحدهم أو يُغيَّب لأنه لا يتوافق مع من قتله أو غيَّبه. هذا جحيم أرضيّ. النقاش متأخّر. إدارة «مهرجان دبي» تأخّرت في إثارته. أخطأت في إثارته بهذه الطريقة. الحجّة؟ دورة العام الفائت لم تشهد نقاشاً كهذا، مع انها أُقيمت بعد أشهر على بداية «الحراك الشعبي السوري». هل لأن الدم ازداد، والجثث تكاثرت، والخراب بات أفظع وأخطر؟ ربما. لكن، لو أن هذا هو السبب، لكان على إدارة المهرجان ألاّ تدعو أحداً ممن تراهم «متناقضين» و«سياسات دولة الإمارات العربية المتحدّة». لكل مهرجان سينمائي دولي أو عربي موقف أو منهج أو سياسة مُتّبعة. يتمثّل هذا باختيار الأفلام. بتوجيه الاهتمام إلى سينما ناشئة في هذه البقعة الجغرافية أو تلك. بالترويج لها. البقعة الجغرافية تعني ثقافة وحضارة وتراثاً وسياسة. هذا طبيعيّ. لكن التصرّف ليس عادياً.

تصرّف إدارة «مهرجان دبيّ» بهذه الطريقة قابلٌ للنقاش. لكن، كان يُفضّل الاكتفاء بخطوة واحدة، منذ البداية: عدم قبول هذا الفيلم أو ذاك. هذا يحدث دائماً، في المهرجانات كلّها. هذا ليس دفاعاً عن أحد. أو إدانة أحد. لا يُمكن الفصل بين النصّ وصاحبه. أو بين النص وصاحبه من جهة أولى، والبيئة الاجتماعية المحلية والعامة من جهة ثانية. التأثيرات متبادلة بين الأطراف كلّها. المواقف تُتّخذ بناء على هذا كلّه.

رفضتُ بيان «سينمائيي الداخل السوري»، ولا أزال أرفضه. خطوة إدارة «مهرجان دبيّ» خطأٌ في التصرّف، وإن حقَّ لها اتّخاذ مواقف تراها ملائمة لها، لكن في لحظتها المناسبة.

نديم جرجوره

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى