تهافت البيان المشترك
ساطع نور الدين
السعي مشكور من قبل ثلة المثقفين اللبنانيين والسوريين التي تنادت الى بيان مشترك، لكنه سابق لأوانه بعض الشيء، وبني على فرضية أن الانتفاضة السورية تطرح اسئلة وهموما على العلاقات بين لبنان وسوريا، في الوقت الذي يبدو ان هذه العلاقات هي هاجس لبناني مقيم يراد اسقاطه في وقت مبكر جدا على جدول الاعمال السوري، المهجوس بما هو اخطر واهم من رسم الحدود بين بلدين تواطأ نظامهما الواحد على شعبيهما.
ليس هناك الحاح ثنائي لبناني سوري الا الالحاح الثقافي، وكل ما يقاربه يستحق التقدير: فتح النقاش بين مثقفي البلدين واجب، لكنه لا يؤدي اي غرض. البحث عن قواسم مشتركة كان وسيبقى امرا سهلا ومحببا، برغم ان البيان المشترك الذي وقّعته تلك الكوكبة من الاسماء، يقفز عن حقيقة جوهرية هي ان النظامين اللبناني والسوري واحد، اذا سقط احدهما فان الاخر محكوم بالسقوط، مع كل المافيات الامنية والطائفية التي حكمت «الشعب الواحد في الدولتين». وما الفوارق التي يحكى عنها بين الحين والاخر، عن نظام ليبرالي وآخر اشتراكي لا يمكن ان يلتقيا الا في الجنة، سوى اهانة موصوفة لفكرة الليبرالية والاشتراكية واساءة كبرى لمفهوم النظام الذي لم يعرفه الشعبان في اي يوم من تاريخهما.
تلازم النظامين وجدلية استمرارهما معا وسقوطهما معا، لا يحتاج الى دليل. الاشقاء السوريون متقدمون الان، لكن اللبنانيين لن يتأخروا عنهم كثيرا. يمكن ان يستغرق الامر بعض الوقت وبعض الدم، لكنه قدر محتوم، يصبح معه التبروء اللبناني من العنصرية تجاه الشقيق السوري عبثا وتخففا من عبء اخلاقي مصطنع، ويمكن ان يجعل من طلب الاعتراف الدبلوماسي او رسم الحدود الدولية المعترف بها او اطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية الوارد في البيان المشترك استحضارا ساذجا لماض كئيب من العلاقة بين الشعبين والدولتين والنظام الواحد.
يقدر البيان ان النظام السوري ساقط لا محالة ويتوقع ان تغرق سوريا لسنوات في مشكلاتها الداخلية ويعبر عن الخوف من ان يتأثر بها لبنان بقوة. والقوة هي في العرف والتقليد اللبناني الحرب الاهلية لا شيء سواها. وهي تستدعي من مثقفي لبنان عناية خاصة، تبدأ بالاعتراف ان مثل هذه الحرب خطر داهم، وتنتهي ببذل جهد استثنائي لتفاديها ومنع اللبنانيين الذين سيسقطون مع النظام في دمشق من هدم الهيكل مرة اخرى على رؤوس ساكنيه. وهو بالمناسبة جهد خارق يبذله مثقفو سوريا الان للحؤول دون لبننة بلادهم باي شكل من الاشكال، من دون ان يلقوا تجاوبا لا من النظام ولا من الشارع.
كان الاجدى هو الاعتراف الصعب والمتبادل بين مثقفي البلدين بانها لحظة افتراق تاريخية، مؤقتة، لا مكان فيها لاسئلة العلاقات الثنائية التي يمكن ان تنتظر الى ما بعد ان يقرر الاشقاء السوريون شكل النظام الذي يرتضونه، وموقع لبنان على جدول اعمالهم الوطني المقبل، وما يستدعيه ذلك من تدبير وتفكير ـ قد يكون مشتركا ـ في كيفية اطاحة النظام اللبناني الذي لا يقل سوءا عن شريكه وراعيه السوري.
السفير