توافقٌ عربيٌّ حول دمشق؟/ محمد برهومة
في كلمته أمام الوفود السورية في مؤتمر المعارضة الثاني في القاهرة، ركّز وزير الخارجية المصري، سامح شكري، على أن الحلّ يتطلّب تسوية سياسية مبنية على وثيقة «جنيف 1»، أيْ انبثاق هيئة تنفيذية كاملة الصلاحيات للمرحلة الانتقالية، مع تأكيده أنه لا يمكن إشراك الإرهابيين في الحوار السياسي، لأن «سيطرة التيارات الإرهابية المسلّحة على معظم الأراضي السورية، أمرٌ يهدد مستقبل المنطقة برمتها، ولا يمكن السكوت عنه».
الدولة المضيفة ركزت على أنّ الحلول العسكرية لن تقدّم الخير لسورية، وأن «وجود تصوّر سوريّ خالص للحل السياسيّ أهم الآن من أيّ وقت مضى». وما قابل الرغبة المصرية ما طرحه هيثم مناع، على هامش المؤتمر، في شأن السعي إلى «نظام سياسي برلماني منتخب، يخرج سورية من مأساتها الحالية». مثل هذا الطرح قاله أيضاً جهاد مقدسي، وهو للمناسبة يلقى اهتماماً لدى مقرّبين من صناعة القرار في الأردن، حيث يرى معروف البخيت، رئيس الوزراء الأسبق، أن «الأردن مقتنع بأن الحل السياسي قد يبدأ بوجود بشار، ولكنه لن ينتهي بوجود بشار، لأن الأفكار الأردنية تحبذ تحويل النظام من رئاسي إلى برلماني ليصبح (منصب) رئيس الدولة غير جاذب لبشار».
مشاورات «القاهرة 2»، على رغم أهميتها، تكاد، من دون قصد، تقلّل عبء الواقع على الأرض وضغطه، حيث قعقعة السلاح هي الأعلى صوتاً، والمسلّحون الأكثر تأثيراً ونفوذاً. فالتحدّي الكبير هو بلورة قناعة عامة وتوافق واسع على تسريع الحل السياسي عبر مرحلة انتقالية. بمعنى آخر، مأزق «القاهرة 2» هو مأزق طبيعة الحضور في المؤتمر وطبيعة تمثيلهم، وهما طبيعتان لا تقويان على بلورة تلك القناعة وذاك التوافق. ثمّ إنّ طرح «القاهرة 2» المهم والجريء، لكن المتفائل، في خصوص «بناء دولة تعددية»، لم يتوازَ مع تقديم رؤية سياسية عملية لتجاوز معضلة تفكّك الدولة، وسيطرة الميليشيات، وحرف مسارات الصراع خلال السنوات الخمس الماضية، التي تقف وراءها دموية النظام والتدخلات الخارجية وصعود الصراع المذهبي والطائفي، ما يجعل التفريق بين الدولة والنظام حافلاً بالصعوبة، ناهيك عن إمعان إيران في اختراق النظام الذي لم يعد يسيطر على أكثر من ربع الأراضي السورية.
هذا الواقع لا يبدو متقبِّلاً حالياً للتسويات والتنازلات، وأهمها الحديث عن مستقبل الأسد، و «الائتلاف» رفض المشاركة في «القاهرة 2» خشية أن يكون مدخلاً لحلّ «يعوّمه» ويعيد تأهيله، وجميع الفصائل المسلّحة المعارضة على الأرض تذهب هذا المذهب. مثل هذه النتيجة تظهر ضرورات التوافق المصري ـ السعودي حول سورية باتجاه تجاوز الخلاف حول مستقبل الأسد، وتأكيد الاتفاق على أنه لا مكان للجماعات الإرهابية في مستقبل سورية.
المشاركون في «القاهرة 2» اتفقوا على التحذير من أن المجتمع الدولي أصابه الملل من الحلّ العسكري، وأن النظام غير قادر على إنهاء الحرب، والفرصة متاحة لأن يكون مؤتمر الرياض الوشيك مكملاً لـ «القاهرة 2»، وخطوة إلى الأمام باتجاه إنهاء المأساة السورية، وبالتالي، نافذة لتمتين التوافق المصري – السعودي المُبتغى.
* كاتب أردني
الحياة