ثمن الرئيس وسورية الكبرى
حياة الحويك عطية
سبعة مليارات دولار هي كلفة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، وفق ما أوردته مراكز الأبحاث الأمريكية هذا الأسبوع .
كذلك أوردت ان الرئيس الحالي باراك اوباما تدخل في اللحظات الأخيرة لتعديل بيان الحزب الديمقراطي ، لاجل اضافة فقرة تتعلق بالقدس كعاصمة لإسرائيل .
قبل ذلك بيومين كانت شبكة سي .ان . ان تنشر استطلاعا للرأي حول التدخل العسكري الأمريكي في سورية ، اجرته بالتعاون مع مؤسسة ” أو أر سى”. يقول ان 49 .46 % من المستطلعين يعارضون استخدام الولايات المتحدة ودول أخرى القوة الجوية لإنشاء مناطق آمنة في سورية، كما ان 64% من الأمريكيين يعارضون إرسال قوات أمريكية أو أجنبية إلى سورية ؛ لإقامة مناطق آمنة للمعارضة. فيما قال 48% إنهم يؤيدون إرسال السلاح والإمدادات إلى قوات المعارضة، فيما عارض 47% من المستطلعين هذه الخطوة .
في الأسبوع نفسه كانت صحيفة لوموند تنشر الجدل الحاد بين الأوساط العسكرية والسياسية والفكرية حول هذا الموضوع ، لتخلص إلى موقف يؤيد مد المعارضة المسلحة بكل أنواع الأسلحة والدعم المخابراتي والتدريبي ، ولكن دون التدخل المباشر . وتبرر ذلك حرفيا بالقول : انه إذا كانت الغاية إضعاف سورية في وجه إسرائيل، فان الحل الأمثل هو إطالة أمد الحرب لأطول مدة ممكنة ، مما يعني خلق توازن ما بين العصابات المسلحة والجيش والأجهزة الأمنية .
هذه السجالات أوردتها في مقالاتي للأسبوع الفائت مع روابطها ، وبالأمس رأينا على مواقع السفارات الفرنسية صورة وأخبار وصول وحدات برية وبحرية إلى المنطقة ، منها تمت تغطيته بالمساعدات الإنسانية ، هذه البدعة التي ابتكرها برنار كوشنير ولا يخفى على أي فرنسي بانها غطاء للعمليات الاستخباراتية . كما نقرأ اليوم تصريحا فرنسيا عن قرار فرنسا إمداد المسلحين بالسلاح الثقيل . وخبرا عن زيارة وزير الدفاع الفرنسي للدول المحيطة بسورية ، للبحث في الشأن السوري .
فهل قرر الأمريكيون ، في زحمة انشغالهم العملاتي والمالي بالانتخابات إيكال الأمر الى حليفهم الأطلسي ؟ وفي هذا سؤال يحيلنا إلى خطاب الرئيس اوباما في 5 يناير 2012 حول تخفيض النفقات العسكرية، حيث قال بان على الحلفاء الأوروبيين ان يضطلعوا بدورهم العسكري في الحلف . حتى اذا ما اصطدم هذا السؤال بمقولة إن القارة العجوز تعاني بدورها من أزمة اقتصادية ، لا تؤهلها لتمويل تسليح ، كان الجواب بسيطا وهو ان المال العربي هو الذي يدفع ثمن هذا السلاح وفي ذلك تشغيل للمصانع الفرنسية ، وربما مساعدتها على التخلص من (الستوكات) الراكدة ، والتي تأخر بيعها بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية .
واذا ما طرح السؤال الآخر حول جغرافية تمرير هذه الأسلحة ، فان تركيا مفتوحة بالدرجة الاولى ، لكن ذلك لا يعني توقف الضغوط على الدول الحدودية الأخرى جميعا ، وفي اطار ذلك جاء استطلاع مركز عزمي بشارة في قطر موازيا لاستطلاع سي ان ان . وموازيا كذلك للعريضة التي قدمها فؤاد السنيورة باسم تحالف قوى 14 اذار لرئيس الجمهورية اللبنانية ، اضافة الى لقاءات وليد جنبلاط في فرنسا ، وخطابات سمير جعجع التي لم تبلغ يوما ما تبلغه اليوم من الحدة ، ومشاركة أمين الجميل في مؤتمر اسطنبول ، وبالتوازي أيضا تفجير الوضع في العراق ، خاصة استهداف الحسينيات امس الاول الجمعة . كله لتفعيل الضغط ولتمهيد الطريق .
سردية لم تعد تترك مجالا للشك بان المستهدف الرئيسي من كل ما يجري من دمار لهذه المنطقة ، هو سورية الطبيعية ، تلك الرقعة التي يختصر النزاع فيما إذا كانت سورية الكبرى أم إسرائيل الكبرى . فالنزاعات في كل العالم العربي الآخر تتوقف على قصة تغيير نظام وتغيير هيمنة وسيطرة على موارد اقتصادية ، لكنها هنا في الهلال الخصيب قصة اخرى ، قصة حياة أو موت ، وأمر ما فيها ان اهلها هم الضحية والجلاد ، هم القط الذي يلحس المبرد. هم الذين ينحازون لموتهم .
آن الأوان للجميع كي يفهموا ان عليهم حقن دمائهم ، وان يجدوا صيغة لحل ازمتهم ، صيغة يعبر فيها كل العقلاء فوق كوم الأشلاء والأحقاد كي تصل ايديهم إلى مصافحة لا نريد فيها حبا وودا ، بل براغماتية جوهرها الحفاظ على سورية ، سورية الكبرى كلها لا سورية الصغيرة فحسب، تلك التي قال عنها برنار هنري ليفي انها القلب ، اذا ما ضرب انتهت المشكلة .
العرب اليوم