ثورة سورية نهايتها مفاوضات
حسن عبد الله عباس
عندما تحلل الحالة السورية وبعد مرور سنتين على الثورة فيها، تجدها متعادلة وتعيش حالة ركود «قاتلة». كل ما في الأمر أنها حرب تستنزف الطرفين لا أكثر، أما ترجيح كفة على كفة فهو ما يصعب تحقيقه ميدانياً.
اترك الكلام أنها ثورة شعبية والناس قامت على حكومتها، فهذا الكلام غير مفهوم اطلاقاً ولم يعد مفهوماً. ببساطة شديدة الحل السوري ليس بيد السوريين، الحل ومفتاح علاج الازمة بيد المتحاورين الكبار. بشار الاسد يتشدق بالروس والإيرانيين، ومعاذ الخطيب ووراءه الائتلاف المعارض يتمسكون بتلابيب الاميركان والدعم السياسي الاوروبي.
إذا المشكلة لا تتعلق بالسوريين، فالحكومة والمعارضة يتحاربون في حقيقة الامر بالوكالة ونيابة عن غيرهم، ولا أظن بحاجة للشواهد كون الفضاء الاعلامي ينشر أدق تفاصيل تحركات قيادات الطرفين. لذلك لو أردت أن تفهم القضية، ما عليك إلا أن تعرج بوجهك شطر مصالح اللاعبين الكبار لتُحسن التحليل. يا تُرى كيف يتصرفون وماذا يريدون؟
أظن الروس والإيرانيين هم الطرف الأبرز في هذه القضية. فسورية بالنسبة إليهما ورقة استراتيجية خطيرة يصعب جدا عليهما بيعها بسهولة. لهذا لا يوجد أي تردد عندهم بتقديم أي شكل من أشكال الدعم حتى لو اقتضى الأمر استخدام القوة والدخول بحرب مباشرة.
الأكثر هدوءاً وعلى غير العادة هم الأميركان. فالأميركان تقليدياً تجدهم اللاعب الاكثر حماسة وبروزا في هذه الاجواء القتالية. السياسة لافت، كونها شرطي العالم، كانت دائما تقتضي وبهذه الاجواء التحرك بشكل ملفت وعلى عدة جبهات: تحريك الجيوش، التأثير في الامم المتحدة ومجلس الامن، سفرات مكوكية وديبلوماسية من وراء الكواليس، لجانب التسخين الاعلامي. لكن الشيء اللافت فيهم هذه المرة حالة البرود وعدم تحمسهم الابتعاد بأكثر من تعاطف «إنساني» لكارثة ولحرب أهلية دائرة.
يمكن أن يُرد البرود الأميركي لأسباب عدة: الخوف من سيطرة الاسلام المتشدد. الثاني ترك الاوضاع على ما هي عليه حتى تتدمر سورية بالكامل ويأكل بعضهم بعضاً، وهو بالنتيجة سيصب في صالح الحليف الاستراتيجي إسرائيل. الثالث بسبب الازمة التي تلف الاقتصاد الاميركي، فالإدارة الأميركية تريد أن تخفض تكاليفها ويبدو هذا واضحا بتوقيع الرئيس الاميركي يوم الجمعة الماضي مرسوماً رئاسيا باقتطاع مليارات الدولارات من الميزانية. فلهذه الاسباب تبدو الحكومة الأميركية غير متحمسة للتورط أكثر في سورية خصوصا وأنها تحاول جاهدة لملمة أخطاء الماضي والتخلص من عبء حربيها في العراق وافغانستان.
لذا أظن الحرب في سورية مآلها الفشل، وأن من سيحسم الامر طاولة المفاوضات. بل أظن النكسة ستكون أكبر للثوار ومن يقف وراءهم كونهم رفضوا الحوار تماماً، ثم تراجعوا وتنازلوا قليلا واشترطوا ابعاد كل أطراف السلطة، ثم تنازلوا أكثر واشترطوا محاورة الشرع كونه مقبولا عندهم، ثم أكثر واشترطوا تجديد الجوازات لسنتين واطلاق المساجين وبشرط ابعاد بشار الاسد. كل ذلك أمام سلطة عرضت الحوار منذ اليوم الاول وما زالت!
الرأي