جامعة الفرات: اطلب العلم ولو فـي دير الزور
لم يعد للفرات جامعة في مدينة الرقة، فيما تسع كليات «خرجت من الخدمة» في فرع دير الزور حيث مقر رئاسة الجامعة، باستثناء كليتي الزراعة والآداب اللتين حملتا مع كليات مدينة الحسكة عبء عشرات آلاف الطلاب
فراس الهكار
«دخلوا كلية الهندسة وسرقوا كل تجهيزات المدرجات والمراسم والمكتبات. لم يبقَ إلا خردوات قليلة لا سوق لها. لكن المفارقة أن الثوّار سرقوا كل شيء وتركوا صور الرئيس بشار الأسد في القاعات»، يقول فارس عثمان، طالب الهندسة مدنية (الرقة)، بحرقة. كان هذا مصير جميع كليات جامعة الفرات (فرع الرقة) ومعاهدها عقب سقوط محافظة الرقة بأيدي مسلحي المعارضة («جبهة النصرة» و«الجيش الحر») في آذار من العام الفائت.
يومها، توزّع المسلحون «الاختصاصات»، فاستولى لواء «المنتصر بالله» على تجهيزات كليتي العلوم والهندسة المدنية، ونهبت كتائب أخرى محتويات مخابر كليتي الصيدلة والزراعة ومعاهد البيطرة والزراعة واستصلاح الأراضي. وفيما بيعت «الغنائم» في السوق السوداء، في مزادات علنية، نقلت قاعات معلوماتية حديثة مزودة بمئات الحواسيب وشبكات اتصال داخلية، وكاميرات مراقبة، ومخابر علمية حديثة وتجهيزات قرطاسية وآلات تصوير ومستودعات أثاث إلى الأراضي التركية.
رغم ذلك، استمر التعليم في كليات الرقة ومعاهدها، في ظل ظروف قاسية وتجهيزات تقارب الصفر. وشكّل طلاب معارضون هيئة طلابية أطلقوا عليها اسم «اتحاد الطلبة الأحرار»، كبديل من منظمة «الاتحاد الوطني لطلبة سوريا»، وأطلقوا حملة شبابية تحت شعار: «لن أترك جامعتي»، محاولين منع التدخل في الحياة الطلابية، وإيجاد صيغة تفاهم مع الكتائب المسلحة («النصرة» و«الحر») المسيطرة على المدينة آنذاك. إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل.
ومع سيطرة تنظيم «داعش» على مدينة الرقة، تفاقمت معاناة طلبة الجامعة الذين يزيد عددهم على خمسة عشر ألف طالب وطالبة موزعين على ست كليات. إذ منع التنظيم اختلاط الطلاب، وفرض النقاب على الفتيات، وأغلق المقاهي المختلطة، وبدأ يمارس أنشطته الدعوية داخل الكليات. لذا، بات من الصعب إكمال العملية التعليمية بعد إساءة معاملة الطالبات، وإهانة الكادر التدريسي والإداري، فأقر مجلس التعليم العالي وقف العملية التعليمية في كليات ومعاهد جامعة الفرات (فرع الرقة).
وأوضح الدكتور علي علي، رئيس جامعة الفرات في تصريح لـ«الأخبار»: «اضطررنا إلى إغلاق كليات جامعة الفرات في الرقة بسبب ممارسات الجماعات المسلحة المسيطرة على المدينة، ومضايقة الطلاب والمدرسين والتدخل في شؤونهم».
رحلة الموت الى دير الزور
وفي دير الزور، أيضاً، دمرت كتائب المعارضة المسلحة تسع كليات تابعة لجامعة الفرات في المدينة. لكن رئاسة الجامعة في المدينة لا تزال تؤدي مهماتها، إضافة إلى كليتي الآداب والزراعة اللتين يتابع الطلاب دراستهم الجامعية فيهما بصعوبة بالغة. إذ لا تتسع القاعات المتبقية لنحو ثلاثين ألف طالب وطالبة قدّموا امتحاناتهم بشق الأنفس.
رئيس الجامعة يؤكد «أن العملية التعليمية تسير بشكل جيد حتى اللحظة، وتعاني الجامعة من نقص في الكادر التعليمي والإداري». وأوضح أن «تسع كليات تابعة للجامعة في مدينة دير الزور باتت خارج الخدمة بسبب الدمار الذي لحق بها، إضافة إلى ثلاثة معاهد». وقدّر قيمة خسائر الجامعة بـ«نحو مليارين وثلاثمئة مليون ليرة سورية».
ويقصد بعض طلاب محافظة الرقة مدينتي دير الزور والحسكة لتقديم امتحاناتهم. ويعاني هؤلاء من أخطار الرحلة ومن التأخر عن الامتحانات بسبب الإجراءات المشددة للجيش على الحواجز. ويصف الطالب حمزة مطر، طالب حقوق (دير الزور)، الرحلة إلى الامتحان بـ«رحلة الموت»، إذ «يستغرق الوصول إلى مدينة دير الزور ست ساعات بالسيارة، الطريق ذاتها لم تكن تستغرق تسعين دقيقة قبل نحو عام». وأضاف لـ«الأخبار»: «نقطع نهر الفرات بالقوارب، نرى القذائف تتساقط، وأصوات الانفجارات لا تتوقف، قبل أن تبدأ رحلة ثالثة على دراجات نارية إلى الكليات».
وقد قضى طالب وموظف في الأحداث الجارية في مدينة دير الزور، فيما خسرت الجامعة 66 سيارة وآليات خدمة، فاستأجرت رئاسة الجامعة سيارات نقل عامة لنقل الموظفين والطلاب. وسمحت وزارة التعليم العالي لطلاب جامعة الفرات بتقديم امتحاناتهم ضمن الكليات المماثلة في دير الزور والحسكة، وفي كليات جامعات البعث وتشرين وحلب ودمشق لتخفيف الضغط عن كليات الجامعة المتبقية في محافظتي دير الزور والحسكة.
فرع الحسكة
وفي محافظة الحسكة، سُرقت تجهيزات بعض الكليات، إلا أن المباني لم تتضرر، فيما تعرض مدرسو الجامعة لعمليات خطف واعتقال، ونفذ مسلحون عمليات اغتيال استهدفت الكوادر التعليمية، ما أدى الى تناقص كوادر التدريس الجامعية وهجرة معظم أعضاء الهيئة التدريسية، الأمر الذي انعكس سلباً على وضع التعليم والطلاب. ويُعدّ انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وعدم توفر المحروقات لتشغيل المولدات وانقطاع الاتصالات من أبرز معوقات العملية التعليمية.
ورغم ذلك، تواصل الكليات تقديم خدماتها، وتستقبل الجزء الأكبر من طلاب الجامعة. ويشكل ازدياد عدد الطلاب الوافدين من محافظتي دير الزور والرقة، وعدم قدرة القاعات على الاستيعاب، هاجساً يتم حله موضعياً. فقد وصل العدد الإجمالي للطلاب إلى 35 ألفاً موزعين على سبع كليات، حسب إحصائيات رئاسة فرع الجامعة في الحسكة.
ويلفت حمزة منوّخ، رئيس فرع الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، الى أن «نقص الكادر التدريسي معضلة تعانيها كليات جامعة الفرات في محافظة الحسكة، وخصوصاً مع ارتفاع عدد الطلبة بنسبة كبيرة تشكل نحو 70% من عدد طلاب جامعة الفرات». وأضاف منوّخ: «زادت معاناة فرع الجامعة أثناء الامتحانات الفصلية، في ظل قلة الأبنية والكادر والتجهيزات التي لا تتناسب مع الأعداد الكبيرة للطلبة».
مع ذلك، يؤكد الدكتور علي علي، رئيس الجامعة، «أن الامتحانات أنجزت وفق المعايير المعتمدة»!
الأخبار