جبهة النصرة أيضاً/ سلامة كيلة
كان يبدو أن الجبهة السورية الجنوبية تحقق انتصارات لامست حدود ريف دمشق، وكان المؤمل أن تفك الحصار عن الريفين، الغربي والشرقي. لكن، بدا، منذ أسابيع، أن التقدم توقف، وأن غموضاً يلف ما يجري. في الأيام الأخيرة، شنت جبهة النصرة هجوماً على لواء شهداء اليرموك، وقبلها حاولت فرض “خلافتها” على مدينة نوى، حيث حصلت احتكاكات مع مقاتلين من الجيش الحر من المدينة. وبالتالي، ظهر أن الجبهة أخذت تمارس ما مارسته في الشمال، حيث باتت تريد فرض سلطتها وفرض “قوانينها” (أو شريعتها)، ثم بدأت عملية قضم للكتائب المسلحة الأخرى.
منذ وجود جبهة النصرة في منطقة حوران، افتعلت صراعاً مع مناطق درزية، وخطفت دروزاً عديدين. وحين تقدمت الكتائب المسلحة للسيطرة على القنيطرة، احتجزت الجبهة القوات الدولية. في تلك وفي هذه، لم يجرِ تحليل الهدف من مثل هذه الخطوات، وظل التعامل مع جبهة النصرة قائماً، وعلى الرغم من أنها كذلك، اعتقلت وقتلت من قيادات الكتائب المسلحة. ربما استطاعت الكتائب المسلحة “لجم” النصرة، حيث كانت تريد افتعال صراع طائفي مع الدروز، وتريد أن تدفع القوى الدولية إلى دعم السلطة، بعد خطف عناصر القوات الدولية، عبر قرار من مجلس الأمن. ربما لم يتحقق لا ذاك ولا هذا. لكن، كان يجب أن يكون واضحاً أن للنصرة “أهدافها”، وأنها ستغدر كما فعلت في الشمال (قبل داعش).
ما لا يبدو مفهوماً لدى الكتائب المسلحة هو طبيعة النصرة (وكذلك داعش، وحتى جيش الإسلام). ولهذا، تجري معاملتها كتنظيم “من الثورة” يخطئ. لكن، الأمر أكبر من ذلك، أو ليس كذلك أبداً، لأن هذه التنظيمات لا تعرف السياسة، بل تتبع الفقه (وفق مدرسة الوهابية). ولهذا، لا تخوض الصراع السياسي ضد السلطة، بل تعتبر أن مهمتها “إقامة دولة الخلافة”، وهنا النصرة كداعش وقبلها (أقامت الخلافة في حلب قبل داعش). بالتالي، ليست معركتها ضد الاستبداد، أو من أجل التحرر من سلطة ناهبة، فذلك كله لا يرد في القاموس الفقهي الذي تتبعه، وهو مرحلة تتجاوز الفقه أصلاً. إنها تريد فرض “شريعتها” التي تلقتها من الوهابية، والتي تعتمد التفسير الحرفي الشكلي جداً للدين، وتعتقد أن مهمتها “التاريخية” فرض تلك الشريعة عبر المطاوعة، أو المدربين لدى المطاوعة.
وإذا كنت أعتقد أنها مخترقة مثل داعش من أجهزة أمنية، ومن السلطة تحديداً (أطلقت سراح كثيرين من كادرها بعد الثورة بأشهر، وربما بعام)، فالأمر، في كل الأحوال، يقود إلى ما نلمس كل يوم من ميل لفرض “الإمارة”، نتيجة التكوين الأيديولوجي الذي حُقن به هؤلاء “البسطاء”، وينطلق من فرض الشعائر والقيم الدينية المؤسسة على مفاهيم محمد بن عبد الوهاب، والبدائية في بنيتها، على كل فرد. هذه أولوية لدى هؤلاء، تسبق الصراع ضد السلطة بالضرورة (وكما كانت أولوية ضد الشيعة في العراق بدل الاحتلال). بالتالي، يجعلنا الانطلاق من “طيب نية” نرى هذا الجانب الخطر في بنية هذه التنظيمات. إنهم “رسل” بناء “الدولة الإسلامية”، وليس الصراع من أجل “سفاسف الحياة”.
ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أنهم قنبلة في كل مكان يوجدون فيه، لأنهم سينقلبون، بالضرورة، ضد القوى التي تقاتل السلطة، ويسعون إلى فرض خلافتهم. فالجنة تقتضي ذلك. ولهذا، يسهل قيادهم من الأجهزة الأمنية، وتوجيههم بما يخدم السلطة (والإمبريالية).
مأساة المعارضة أنها “جاهلة”، ومشكلة الشباب الذي يقاتل أنه لم يستفد من تجارب سابقة، بدأت في أفغانستان، ثم في العراق، وتكررت في الشمال السوري. لهذا، لا إمكانية لقتال حقيقي ضد السلطة في منطقة توجد فيها النصرة، أو داعش طبعاً، أو حتى كل الفصائل التي تريد “تطبيق الشريعة”. فهؤلاء يقاتلون من أجل “الجنة”، وليس من أجل الحرية والديمقراطية.
العربي الجديد