“جبهة تقدميّة” بحلّة جديدة:أقصى حدود الأحلام السورية!/ محمد دحنون
هل سمع أحد بجمهورية إنغوشيا؟! لرئيسها اسم مميز: يونس بك؟! حسناً، إليكم القصة.
تستعد عاصمة إنغوشيا، التي يصعب تذكر اسمها، لاختيار أسماء عدد من السوريين المقيمين في الداخل، بصفة معارضين. وبعدما صنعت روسيا (أو الاتحاد الروسي الذي تنتمي إليه جمهورية إنغوشيا) منصتها، التي شكّلت إضافة هزلية لمجموعة المعارضات السوريّة، يكثر حديث عن احتمال سعي الرئيس الإنغوشي إلى صناعة “منصته” الخاصة. ومن الصعب تخيل ما سيكون عليه اسمها: “منصة إنغوشيا” غير مقبول!
يجري ذلك عشية استعداد منصات المعارضة للمشاركة في مشاورات تهدف إلى “توحيد” رؤيتها لشكل الحل السياسي الذي يمكن العمل عليه بعد المستجدات الكثيرة، الميدانية والسياسية، وأبرزها التحوّل (أو الغموض!) في الموقف السعودي من قصة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، وهو البند الخلافي بين “المنصات” التي يرأس قدري جميل إحداها. (كيف يمكن شرح وتقديم “قدري جميل” لغير السوريين؟).
على العموم، سيضطر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وكذلك “الهيئة العليا للمفاوضات” أن يشكلاً رؤية موّحدة مع منصة قدري، فضلاً عن منصة القاهرة، التي لا تبدو بعيدة جداً في الرؤية والأهداف عن “الائتلاف” و”الهيئة”، ولكنها في الوقت نفسه، ولأسبابها، لا تحبّذ كثيراً التوقف عند المسؤولية (الجنائية على الأقل) للنظام السوري عن خراب البلد، ومقتل نصف مليون إنسان، وتهجير الملايين، علماً أن “منصة القاهرة” ليست من “معارضة الداخل”.
كانت روسيا ودول إقليمية، قد ساهمت في تحويل الأنظار عن جوهر المشكلة في سوريا من كونها تتعلق بسلطة ديكتاتورية دموية إجرامية، إلى اعتبارها أمراً يتعلق بـ”تفكك” المعارضة وتشرذمها وغياب رؤيتها (المعارضة قدمت مساهمتها الخاصة في هذا الشأن)، الأمر الذي جعل توحيدها وتوحيد رؤاها أولوية، بالدرجة نفسها من الأهمية والأولوية التي يمكن إعطاؤها، ظاهرياً على الأقل، لمسألة “وضع” النظام وبشار الأسد.
بدخول إنغوشيا على خط صنع المعارضات، يعلن المهيمن الروسي على الملف السوري عن بدء مرحلة جديدة تترتب فيها الأولويات على نحو يجعل مسألة رحيل أو بقاء بشار الأسد موضوعاً غير مطروح للنقاش، ما يسمح لبثينة شعبان وفيصل المقداد أن يصرحا بدخول الأزمة السوريّة مرحلة ربع الساعة الأخير، ولكنها في الوقت نفسه ترسم ملامح “الحل النهائي للمسألة السورية”، وهي ليست واضحة تماماً بعد، لكنّ التاريخ الذي يتكرر بهزلية شديدة يسمح بتشكيل صورة عنها من دون مخاطرة شديدة بالخطأ.
ثمة معارضة تعلن حتى الآن رفضها لبقاء بشار الأسد، بعدما كان شكل التعبير الذي استخدمته طويلاً لوصف موقفها من هذه المسألة يتخذ صيغة المطالبة بـ”رحيل بشار الأسد” أو حتى “إسقاط نظام بشار الأسد”. وثمة معارضة تعلن عن قبولها ببقائه “خلال المرحلة الانتقالية” التي يمكن أن تدوم أكثر من أربعة عشر عاماً في حال تم تعديل الدستور على أساس حق الرئيس بالترشح لولايتين (أبدٌ قصير!). وهناك معارضة (منصة قدري) كرنفالية و”نوعيّة” وغريبة لا يعرف تماماً ما الذي تريده بعيداً عن تهويمات “خمسة نواب للرئيس”، ويبدو أن “سبب وجودها” هو تفتيت المعارضة كفكرة، كونها مفككة ككيان أصلاً.
يضاف إلى ما سبق ما يمكن أن يفاجئنا به مستشار الرئيس الأنغوشي لؤي يوسف، عبر المنصة الجديدة التي قد يشكلها وتنافس منصة قدري على مستوى الغرابة و”النوعيّة”، ويجعل المراقب أمام “أحزاب معارضة” على شكل منصات مدعومة إقليمياً ودولياً.
وبينما تصعب مقارنة “الحل السوري” مع “الحل اللبناني” الذي أنهى الحرب الأهلية، كون “المنصات” ليست “طوائف”، و”المعارضة” ليست “يساراً” ولا “حركة وطنية”، وكون النظام السوري (ليس كمثله شيء)! يمكن للأخير أن يتعامل مع “المنصات”، بدءاً من جولة التفاوض المقبلة في جنيف مستفيداً من تجربته التاريخية في عهده الأوّل ومن “نموذجه الديموقراطي الخاص” (الخاص جداً في الحقيقة): الجبهة الوطنية التقدمية.
“الجبهة”؛ مجموعات من الأشخاص قد يبلغ عدد أعضاء الواحدة منها بضعة آلاف، “مختلفين” “سياسياَ” مع “السيد الرئيس” على قضايا اهتراء قنوات الصرف الصحي وانقطاع الكهرباء والفساد الإداري والمروري والتهرب الضريبي، ومسائل أخرى مشابهة أشد أهمية وحساسيّة من أن تترك لمخاتير الحارات ورؤوساء البلديات ومسؤولي الشركات الحكومية والوزراء!
لم يعد صعباً على النظام السوري أن يقنع زملاء بسام الملك بالعودة إلى حضن الوطن والعمل في بناء حديث، فخم ربما، إلى جانب السيدة وصال فرحة بكداش (ماتت أم لم تمت بعد؟) وزملائها الآخرين، بهدف تحصين الوطن من “الهجمات الامبريالية والصهيونية والرجعيّة” و”بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموّحد”.
“جبهة تقدمية” بحلّة جديدة: أقصى ما سيقدمه النظام، هي أيضاً، وعلى ضوء المعطيات، أقصى ما سيصل إليه الحلم السوري الذي بدأ في يوم ما قبل نحو سبع سنوات…
المدن